صفحة جزء


حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن أبان ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، حدثني هارون ، حدثني عبد الله بن صالح ، سمعت ابن السماك ، وكتب ، إلى أخ له : " أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ، ورقيبك في علانيتك ، فاجعل الله في بالك على حالك في ليلك ونهارك ، وحب الله بقدر قربه منك وقدرته عليك ، فاعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ، ولا من ملكه إلى ملك غيره ، فليعظم منه حذرك ، وليكثر منه وجلك ، واعلم أن الذنب من العاقل أعظم من الذنب من الأحمق ، والذنب من العالم أعظم من الذنب من الجاهل والذنب من الغني أعظم من الذنب من الفقير ، وقد أصبحنا أذلاء رغماء ، والذليل لا ينام في البحر ، وقد كان عيسى عليه السلام يقول : حتى متى تصفون الطريق للذاكرين وأنتم مقيمون في محلة المتجبرين تضعون البعوض من شرابكم وتشترطون الجمال بأجمالها . وقال : إن الزق إذا نقب لم يصلح أن يكون فيه العسل ، وإن قلوبكم قد نقبت فلا تصلح فيها الحكمة ، أي أخي كم من مذكر بالله ناس لله وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم من داع إلى الله فار من الله ، [ ص: 207 ] وكم من قارئ لكتاب الله ينسخ من آيات الله والسلام .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا أبو بكر ، ثنا عيسى بن محمد بن سعد الطلحي ، قال : قال ابن السماك : " معرفتك بالله أن تصيب الذنب ، الذي أقللت الحياء من ربك .

حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني محمد بن أبي الرجاء القرشي ، قال : قال ابن السماك : أي أخي أسر أعمالك على نفسك ثم قبحها جهدك بعقلك لعله يدعوك بقبحها إلى ترك مهاودتها ، واعلم أنك ليس تبلغ غاية قبحها عند ربك ، فسله أن يمن عليك بعفوه .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن العباس ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، ثنا زهير بن عباد ، سمعت ابن السماك ، يقول : " تعدوا من كتبة الأرباح فاجعل نفسك مما يكتبها تكن تكتب مثلها .

حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، ثنا عبد الله بن محمد بن عقبة بن أبي الصهباء ، قال : قال محمد بن السماك : لا يغرنكم سكون هذه الصور ، فما أكثر المغمومين فيها ، ولا يغرنكم استواؤها ، فما أشد بقاءهم فيها .

حدثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري ، ثنا محمد بن محمد بن عبد الله ، ثنا الحسن بن هارون ، سمعت أبا بكر بن أبي هاشم ، يقول : قال محمد بن السماك : خرجت من العراق أريد بعض الثغور ، فبينا أنا أسير في جبل مظلم إذ نظرت إلى عامل على رأس جبل قد انفرد من المخلوقين واستأنس برب العالمين جل جلاله ، فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال : من أين أقبلت ؟ قلت : من العراق أريد بعض الثغور ، فقال : إلى أمر توقنونه أو إلى أمر لا توقنونه ؟ قلت : لا بل إلى أمر لا نوقنه ثم قال : آه ، قلت : مم يتأوه العابد ؟ قال : ذكرت عيش المستريحين ، وفرحة قلوب الواصلين . فقلت : إني رجل مهموم ، قال : ومم همك ؟ قلت : في ثلاث ، قال : وما هذه ؟ قلت : ما دليل الخوف ؟ قال : الحزن ، قلت : فما دليل الشوق ؟ قال : الطلب ، قلت : فما دليل الرجاء ؟ قال : العمل . قلت : فمن أين ضعفنا ؟ قال : لأنكم وثقتم [ ص: 208 ] بعفو الله عنكم ولو عاجلكم بالعقوبة لهويتم من معصيته إلى طاعته ، ولكن حلمه وستره على معصيته ثم أنشأ يقول :-

إن كنت تفهم ما أقول وتعقل فارحل بنفسك قبل أن لربك ترحل     وذر التشاغل بالذنوب وخلها
حتى متى وإلى متى تتملل



حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا الحسن بن عبد الرحمن ، حدثني إبراهيم بن رجاء ، سمعت ابن السماك ، يقول : أصبحت الخليقة على ثلاثة أصناف : صنف من الذنوب موطن نفسه على هجران ذنبه لا يريد أن يرجع إلى شيء من سيئة ، هذا المبرور ، وصنف يذنب ثم يذنب ويذنب ويحزن ويذنب ويبكي ، هذا يرجى له ويخاف عليه ، وصنف يذنب ولا يندم ، ويندم ولا يحزن ، ويذنب ولا يبكي ، فهذا الخائن الحائد عن طريق الجنة إلى النار .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، عن زهير بن عباد ، سمعت ابن السماك ، يقول : اعلم أن للموعظة غطاء ، وكشف غطائها التفكر ، ولحاجتك إلى العظة أكثر من حاجتك إلى الصلة ، وأخاف أن لا تجد لها موضعا في عقلك مع ما فيها من هموم الدنيا .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني محمد بن داود بن عبد الله ، حدثني عبد الله بن أبي الحواري ، حدثني ابن السماك ، قال : دخلت البصرة فقلت لرجل كنت أعرفه : دلني على رجل عليه لباس الشعر طويل الصمت ، لا يرفع رأسه إلى أحد ، قال : فجعلت أستطعمه الكلام ، فلا يكلمني فخرجت من عنده ، فقال لي صاحبي : ههنا ابن عجوز ، هل لك فدخلنا عليه ، فقالت العجوز : لا تذكروا لابني شيئا من ذلك من جنة ولا نار فتقتلوه علي فإنه ليس لي غيره ، فدخلنا على شاب عليه من اللباس نحو مما كان على صاحبه منكس الرأس طويل الصمت ، فرفع رأسه فنظر إلينا ، فقال : أما إن للناس موقفا لا تدارسوه ، قلت : بين يدي من ؟ رحمك الله قال : فشهق شهقة فمات . قال ابن السماك : فجاءت العجوز فقالت : قتلتم ولدي؟ قال : فكنت فيمن صلوا عليه .

قال : وعزى ابن السماك رجلا فقال : إن المصيبة واحدة ، إن جزع [ ص: 209 ] أهلها أو صبروا ، والمصيبة بالأجر ، أعظم من المصيبة بالموت .

حدثنا أبو عاصم أحمد بن الحسين ثنا بشر بن موسى ، ثنا خلف بن الوليد ، قال : وقف ابن السماك على قبر فقال : يا قاسم حلوه وحلى بك رجعيا ومركان ولو أقمنا ما نفعناك ثم قال : والذي نفسي بيده لو أقاموا على قبر عمر الدنيا ما انتفع بطول إقامتهم عليه ، فقدموا ما تقدمون عليه فإنكم عليه تقدمون وأخروا ما تؤخرون فإنكم إليه لا ترجعون .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن موسى ، ثنا محمد بن بكار ، قال : بعث هارون الرشيد إلى ابن السماك فدخل وعنده يحيى بن خالد البرمكي فقال يحيى : إن أمير المؤمنين أرسل إليك لما بلغه من صلاح حالك في نفسك ، وكثرة ذكرك لربك عز وجل ، ودعائك للعامة ، فقال ابن السماك : أما ما بلغ أمير المؤمنين من صلاحنا في أنفسنا فذلك بستر الله علينا ، فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما أقدم قلب لنا على مودة ، ولا جرى لسان لنا بمدحة ، وإني لأخاف أن أكون بالستر مغرورا ، وبمدح الناس مفتونا ، وإنى لأخاف أن أهلك بهما وبقلة الشكر عليهما ، فدعا بدواة وقرطاس فكتبه إلى الرشيد .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن العباس المؤدب ، ثنا عبد الله بن صالح العجلي ، قال : كان رجل من ولد عبد الله بن مسعود يجلس في مجلس ابن السماك فكان يطيل السكوت فقال له ابن السماك ذات يوم : يا فتى ألا تخوض فيما يخوض فيه القوم من الحديث ؟ فقال : إنما قعدت لأسمع ، وأنصت لأفهم ، وما كان من الحديث لغير الله فعاقبته الندم ، فقال : خرجت والله من معدن .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا الحسين بن جعفر القتات ، ثنا عبد الحميد بن صالح البرجمي ، ثنا محمد بن صبيح بن السماك ، عن سفيان الثوري ، أنه قال : احتاجت امرأة العزيز فلبست ثيابها ، فقال لها أهلها : إلى أين ؟ فقالت : إني أريد يوسف فأسأله فقالوا لها : إنا نخافه عليك ، قالت : كلا إنه يخاف الله ولست أخاف ممن يخاف الله ، قال : فجلست على طريقه ، فقامت إليه فقالت : الحمد لله الذي جعل [ ص: 210 ] العبيد بطاعته ملوكا ، وجعل الملوك بمعصيته عبيدا ، أصابتنا حاجة ، فأمر لها بما يصلحها .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن ثعلب النحوي ، ثنا أحمد بن الأعرابي ، قال : كان ابن السماك يتمثل بهذين البيتين :


الأجل في القبور في خطر     فرده يوما وانظر إلى خطره
أبرزه الموت من منكبه     ومن معاصيره ومن حجره



حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا أحمد بن محمد بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني داود بن محمد بن يزيد ، قال : كان ابن السماك يقول في آخر كلامه : ألا متأهب فيما يوصف له أمامه مستعد ليوم فقره وفاقته ، ألا شاب عادم مبادر لمنيته ليس يغره شبابه ولا شدة قوته .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن أحمد بن سليمان الهروي ، ثنا أبو عبد الله ، ثنا الحسين بن عبد الرحمن الوراق ، عن ابن السماك ، قال : أدبت غلاما لامرأة من بني قيس فبعثت إليه بالسوط ، فلما قرب منه رعب بالسوط ، وقالت : ما ترك التقوى أحد إلا سمي عبط .

حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، سمعت أبا جعفر الكندي يقول : دخل ابن السماك على داود الطائي وهو في بيت حرب وعليه تراب فقال داود : سجنت نفسك قبل أن تسجن ، وعذبت نفسك قبل أن تعذب ، فاليوم ترى ثواب ما كنت له تعمل .

حدثنا محمد بن علي ، ثنا أبو طلحة محمد التمار مثله .

حدثنا حمدون بن علي الواسطي ، سمعت علي بن الجعد ، سمعت ابن السماك يقول : سيد الحلواء الفالوذج ، وسيد الرطب السكر .

حدثنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ، ثنا أحمد بن إسحاق البلخي ، ثنا أبو العيناء ، ثنا الأصمعي ، سمعت ابن السماك ، يقول : لا تسأل من يفر منك إن تسأله ولكن سل من أمرك أن تسأله .

· حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم [ ص: 211 ] الرازي ، قال محمد بن السماك في مجلس حضره فيه الرشيد بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم : ما يساوي ألف من الخلف واحدا من السلف ، بين الخلف خلف بينهم السلف هؤلاء قوم أمنوا من خوف ربهم ، وأمنت آباؤنا وأجدادنا من خوف أسيافهم ، يا أبا بكر بلغت غاية الائتمار حيث مدحك الملك الجبار ، فقال سبحانه : ( إذ هما في الغار ) يا عمر لم تكن واليا ، إنما كنت والدا يا عثمان قتلت مظلوما ، ولم تزل مدفونا ، وما قولك فيمن وحد الله طفلا صغيرا حتى توفي كهلا كبيرا ، فهذا صاحب الغار ، وهذا إمام الأعصار وهذا أحد الأخيار ، مدحهم الملك الجبار وأسكنهم دار الأبرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية