صفحة جزء


حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم ، ثنا عبد الرحمن بن عمر قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، وذكر عنده رجل من الجهمية ، أنهم ذكروا عنده أن الله تبارك وتعالى خلق آدم بيده ، فقال : عجنه بيده ، وحرك بيديه العجين ، فقال عبد الرحمن : " لو استشارني هذا السلطان في الجهمية [ ص: 8 ] لأشرت عليه أن يستتيبهم ، فإن تابوا ، وإلا ضرب أعناقهم " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد بن عمرو ، ومحمد بن سهل قالا : ثنا عبد الرحمن بن عمر قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، يقول لفتى من ولد جعفر بن سليمان الهاشمي : " مكانك " . فقعد حتى تفرق الناس ، ثم قال له : " يا بني ، تعرف ما في هذه الكورة من الأهواء والاختلاف ، وكل ذلك يجري منك على بال رخي إلا أمرك وما بلغني ; فإن الأمر لا يزال هينا ما لم يصل إليكم - يعني السلطان - فإذا صار إليكم جل وعظم " قال : يا أبا سعيد ، وما ذاك قال : " بلغني أنك تتكلم في الرب وتصفه وتشبهه " قال الغلام : نعم يا أبا سعيد ، نظرنا فلم نر من خلق الله شيئا أحسن ولا أولى من الإنسان . فأخذ يتكلم في الصفة ، فقال له عبد الرحمن : " رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق ، فإن عجزنا عن المخلوق فنحن عن الخالق أعجز ، أخبرني عن حديث حدثنيه شعبة ، عن الشيباني قال : سمعت سعيد بن جبير قال : قال عبد الله في قوله : ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) . قال : " رأى جبريل له ستمائة جناح " . فبقي الغلام ينظر ، فقال له عبد الرحمن : " يا بني ، فإني أهون عليك المسألة ، وأضع عنك خمسمائة وسبعا وتسعين جناحا . صف لي خلقا بثلاثة أجنحة ، ركب الجناح الثالث منه موضعا غير الموضعين اللذين ركبهما الله عز وجل حتى أعلم . " فقال : يا أبا سعيد ، قد عجزنا عن صفة المخلوق ونحن عن صفة الخالق أعجز ; فأشهدك أني قد رجعت عن ذاك ، وأستغفر الله .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الرحمن بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن عمر قال : ذكر عند عبد الرحمن بن مهدي قوم من أهل البدع ، واجتهادهم في العبادة فقال : " لا يقبل الله إلا ما كان على الأمر والسنة " . ثم قرأ : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) فلم يقبل ذلك منهم ووبخهم عليه ، ثم قال : " الزم الطريق والسنة " .

وسمعت عبد الرحمن يكره الجلوس إلى أصحاب الرأي ، وأصحاب الأهواء ، [ ص: 9 ] ويكره أن يجالسهم أو يماريهم فقلت له : أترى للرجل إذا كانت له خصومة ، وأراد أن يكتب عهده أن يأتيهم ؟ قال : " لا ، مشيك إليهم توقير ، وقد جاء فيمن وقر صاحب بدعة ما جاء " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن أحمد بن عمرو ، ثنا عبد الرحمن بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن عمر ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، وذكر عنده قوم يقال لهم الشمرية من أصحاب أبي شمر يقولون كذا وكذا ، فقال عبد الرحمن : " ما أخبث قولهم ، يزعمون لو أن رجلا اشترى ثوبا ، وفيه درهم أو دانق من حرام لا تقبل له صلاة ، ولو أن رجلا تزوج امرأة في مهرها درهم من حرام لا تحل له ، وكان وطؤها حراما ، ويقولون : لو أن رجلا ذبح شاة بسكين لرجل لم يأمر به ، أو كان ثمنه من حرام كانت ميتة ، وما رأيت قولا أخبث من قولهم ، فنسأل الله تعالى العافية والسلامة " .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن أحمد بن عمرو ، ثنا عبد الرحمن بن عمر قال: شهدت عبد الرحمن بن مهدي - وأراد أن يشتري وصيفة له من رجل من أهل بغداد - فلما قام عنه أخبر أنه وضع كتبا من الرأي وابتدع ذلك ، فجعل يقول : نعوذ بالله من شره ، وكان إذا أتاه قربه وأدناه ، فلما جاءه رأيته دخل وعبد الرحمن مريض ، فسلم فلم يرد عليه ، فقعد فقال له : يا هذا ما شيء بلغني عنك ، إنك ابتدعت كتبا ، أو وضعت كتبا في الرأي ، فأراد أن يتقرب إليه بسوء رأيه في أبي حنيفة ، فقال : يا أبا سعيد ، إنما وضعت كتبا ردا على أبي حنيفة ، فقال له : ترد على أبي حنيفة بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصالحين ؟ فقال : لا ، فقال : إنما ترد على أبي حنيفة بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصالحين ، فأما ما قلت فرد الباطل بالباطل ، اخرج من داري ، فما كنت أضع أو أتبع حرمة عندك ولو بكذا وكذا ، فذهب يتكلم ، فقال له : محرم عليك أن تتكلم أو تتمكن في داري . فقام وخرج .

[ ص: 10 ] حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الرحمن بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن عمر قال : سألت عبد الرحمن بن مهدي ، قلت : نأخذ عن أبي حنيفة ما يأثره وما وافق الحق ، قال : لا ! ولا كرامة ، جاء إلى الإسلام ينقضه عروة عروة لا يقبل منه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية