صفحة جزء
حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن القاضي ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني أبو بشر أحمد بن حماد الدولابي - في طريق مصر - قال : حدثني أبو بكر بن إدريس - وراق الحميدي - عن الشافعي ، قال : كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن معها ما تعطي المعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أخلفه إذا قام ، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد ، فكنت أجالس العلماء ، فأحفظ الحديث ، أو المسألة ، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف ، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث والمسألة ، وكانت لنا جرة قديمة فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة .

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن القاضي ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا محمد بن روح ، قال : سمعت الزبير بن سليمان القرشي ، يذكر عن الشافعي ، قال : طلبت هذا الأمر عن خفة ذات يد ، كنت أجالس الناس ، وأتحفظ ، ثم اشتهيت أن أدون ، وكان منزلنا بمكة بقرب شعب الخيف ، فكنت أجمع العظام والأكتاف فأكتب فيها حتى امتلأ من دارنا ذلك جباب .

[ ص: 74 ] حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن ، ثنا ابن أبي حاتم ، ثنا يونس بن عبد الأعلى قال الشافعي : ما اشتد علي موت أحد من العلماء مثل موت ابن أبي ذيب والليث بن سعد فذكرت ذلك لأبي فقال : ما ظننت أنه أدركهما حتى تأسف عليهما .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل ، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم الجوهري ، ثنا محمد بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : قال لي محمد بن الحسن : صاحبنا أعلم أم صاحبكم ؟ قلت : تريد المكابرة أو الإنصاف ؟ قال : بل الإنصاف قال : قلت : فما الحجة عندكم ؟ قال : الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، قال : قلت : أنشدك الله ، أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم . قال : إذ أنشدتني بالله فصاحبكم ، قلت : فصاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم صاحبكم ؟ قال : صاحبكم ، قلت : فصاحبنا أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم صاحبكم ؟ قال : فقال : صاحبكم ، قال : قلت : فبقي شيء غير القياس ؟ قال : لا ، قلت : فبحق ندعي القياس أكثر مما تدعونه ، وإنما يقاس على الأصول فيعرف القياس ، قال : ويريد بصاحبه مالك بن أنس .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن أخبرني أبو بكر بن آدم أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : قال محمد بن الحسن : أقمت على مالك بن أنس ثلاث سنين وكسرا ، وكان يقول : إنه سمع منه لفظا أكثر من سبعمائة حديث ، قال : وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ منزله وكثر الناس حتى يضيق عليهم الموضع ، وإذا حدث عن غير مالك لم يجئه إلا اليسير ، فكان يقول : ما أعلم أحدا أسوأ ثناء من أصحابكم منكم ، إذا حدثتكم عن مالك ملأتم علي الموضع ، وإذا حدثتكم عن أصحابكم إنما تأتون متكارهين .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، قال : قرأت على أبي زكريا يحيى بن زكريا النيسابوري حدثني أبو سعيد الفريابي قال : سمعت محمد بن إدريس ، وراق الحميدي ، يقول : [ ص: 75 ] سمعت الحميدي ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : كنت أطلب الشعر وأنا صغير ، وأكتب ، فبينا أنا أمشي بمكة أو في ناحية من مكة إذ سمعت صائحا يقول : يا محمد بن إدريس ، عليك بطلب العلم ، قال : فالتفت فلم أر أحدا ، فرجعت ، فكنت أطلب العلم وأكتبه على الخرق ، وأطرحه في الزير حتى امتلأ ، وكنت يتيما ، ولم يكن لأمي شيء ، فولي عم لي ناحية اليمن على القضاء ، فخرجت معه ، فلما قدمت من اليمن ، أتيت مسلم بن خالد الزنجي فسلمت عليه ، فلم يرد علي السلام ، وقال أحدهم : يجيئنا حتى إذا ظننا أنه يصلح أفسد نفسه ، قال : فسرت إلى سفيان بن عيينة ، فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : قد بلغني يا أبا عبد الله ما كنت فيه ، وما بلغني إلا خير فلا تعد ، قال : ثم خرجت إلى المدينة فقرأت الموطأ على مالك ، قال : ثم خرجت إلى العراق ، فصرت إلى محمد بن الحسن ، فكنت أناظر أصحابه قال : فشكوني إلى محمد بن الحسن فقالوا : إن هذا الحجازي يعيب علينا قولنا ، ويخطئنا ، فذكر محمد بن الحسن ذلك ، فقلت له : إنا كنا لا نعرف إلا التقليد ، فلما قدمنا عليكم سمعناكم تقولون : لا تقلدوا ، واطلبوا الحق والحجاج ، فقال لي : فناظرني ، فقلت : أناظر بعض أصحابك ، وأنت تسمع ، فقال : لا ، إلا أنا ، قال : فقلت : ذلك ، قال : فتسأل أو أسأل ؟ قلت : ما شئت ، قال : فما تقول في رجل غصب من رجل عمودا فبنى عليه قصرا فجاءه مستحق فاستحقه ؟ قلت : يخير بين العمود وبين قيمته ، فإن اختار العمود هدم القصر وأخرج العمود فرده على صاحبه ، قال : فما تقول في رجل غصب من رجل خشبة فبنى عليها سفينة ، ثم لجج بها في البحر ، ثم جاء صاحبها فاستحقها ؟ قلت : تقدم إلى أقرب المرسيين فيخير بين القيمة وبين الخشبة ، فإن أخذ قيمتها ، وإلا نقض السفينة ورد الخشبة إلى صاحبها ، قال : فماذا تقول في رجل غصب من رجل خيط إبريسم فخاط به جرحه ، ثم جاء صاحبه فاستحقه ؟ قلت : له قيمته ، فكبر وكبر أصحابه ، وقالوا : تركت قولك يا حجازي ، فقلت له : على رسلك ، أرأيت لو أن صاحب القصر أراد أن يهدم قصره ويرد العمود إلى صاحبه ولا يعطيه قيمته ، كان للسلطان أن يمنعه من ذلك ؟ فقال : لا ، فقلت : أرأيت إن [ ص: 76 ] صاحب السفينة لو أراد أن ينقض السفينة ويرد الخشبة إلى صاحبها ، أكان للسلطان أن يمنعه ؟ قال : لا ، قلت : أرأيت إن صاحب الجرح لو أراد أن ينقض جرحه ، ويخرج الخيط الذي خاط به الجرح ، ويرده على صاحبه ، أكان للسلطان أن يمنعه ؟ قال : نعم ، قلت : فكيف تقيس ما هو محظور بما هو ليس بممنوع .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو بكر النسائي ، عن عبد الله بن سلم الإسفرايني ، قال : سمعت محمد بن إدريس - إملاء - قال : سمعت الحميدي ، يقول : قال الشافعي : كنت يتيما مع أمي ، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم ، فذكر نحوه ومناظرته مع محمد بن الحسن ، وزاد : فقلت له : يرحمك الله ، فتقيس على مباح بمحرم ؟ هذا حرام عليه ، وهذا مباح له ، قال : فكيف تصنع بالسفينة ؟ قلت : آمره أن يقرب إلى أقرب المراسي إليه مرسى لا يهلك فيه ولا أصحابه ، فأنزع اللوح ، وأدفعه إلى أصحابه ، وأقول له : أصلح سفينتك واذهب ، قال : أليس قال صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " فقلت : من ضاره ؟ هو ضار نفسه ، وقلت له : ما تقول في رجل غصب من رجل جارية فأولدها عشرة من الولد ، كلهم قد قرأ القرآن وخطب على المنابر وقضى بين المسلمين ، ثم أثبت صاحب الجارية بشاهدين عدلين أن هذا غصبه هذه الجارية وأولدها هؤلاء الأولاد ، بم كنت تحكم ؟ قال : أحكم بأولاده أرقاء لصاحب الجارية وأرد الجارية عليه ، قال : فقلت : نشدتك الله أيهما أعظم ضررا ؟ إن رددت أولاده رقيقا ، أو إن قلعت الساجة ؟

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أبو بشر أحمد بن حماد الدولابي ، في طريق مصر ، ثنا أبو بكر بن إدريس وراق الحميدي ، قال : سمعت الحميدي ، يقول : قال الشافعي : وليت نجران وبها بنو الحارث ، وموالي ثقيف ، فجمعتهم فقلت : اختاروا سبعة نفر منكم فمن عدلوه كان عدلا ، ومن جرحوه كان مجروحا ، فجمعوا لي سبعة نفر منهم ، فجلست للحكم ، فقلت للخصوم : تقدموا ، فإذا شهد الشاهدان عندي التفت إلى السبعة فإن عدلوه كان عدلا ، وإن جرحوه قلت : زدني شهودا ، فلما أثبت [ ص: 77 ] على ذلك ، وجعلت أسجل وأحكم ، فنظروا إلى حكم جار فقالوا : إن هذه الضياع والأموال التي يحكم علينا فيها ليست لنا ، إنما هي للمنصور بن المهدي في أيدينا ، فقلت للكاتب : اكتب : وأقر فلان بن فلان أن الذي وقع عليه حكمي في هذا الكتاب ، أن هذه الضيعة أو المال الذي حكمت عليه فيه ليست له ، وإنما هي للمنصور بن المهدي في يده ، ومنصور بن المهدي على حجته شيء قائم ، فخرجوا إلى مكة فلم يزالوا يعملون في حتى دفعت إلى العراق ، فقيل لي : انزل الباب ، فنظرت فإذا لا بد لي من الاختلاف إلى بعض أولئك ، وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة ، فكتبت كتبه ، وعرفت قولهم فكان إذا قام ناظرت أصحابه .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، قال : سمعت عمرو بن سوادة ، يقول : قال الشافعي : أفلست من دهري ثلاث إفلاسات ، فكنت أبيع قليلي وكثيري ، وحلي ابنتي وزوجتي ، ولم أرهن قط ، قال : وكان أسخى الناس على الطعام والدينار والدرهم .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا إبراهيم بن فتحون ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرني بعض أصحابنا أن الشافعي قال : لم يكن لي مال ، كنت أطلب العلم في الحداثة ، فكنت أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور أكتب عليها .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، قال : سمعت عمرو بن سوادة يقول قال الشافعي : كانت نهمتي في شيئين ، في الرمي وطلب العلم ، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من العشرة عشرة ، وسكت عن العلم ، فقلت : أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي ، ثنا ابن بنت الشافعي ، قال : سمعت أبي يقول : كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم وما نظر في شيء إلا فاق فيه ، فجلس يوما وامرأة تطلق فحسب ، فقال : تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود ، تموت إلى كذا وكذا ، فولدت وكان كما قال ، [ ص: 78 ] فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا ، ودفن الكتب التي كانت عنده في النجوم .

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن الجرجاني ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا الربيع بن سليمان ح ، وحدثنا محمد بن عبد الرحمن بن مخلد ، ثنا محمد بن موسى بن النعمان ثنا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي .

حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، ثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين دينارا ، ثم تدبرتها فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا - يعني ردا عليه - .

حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري ، عن أبي بكر بن إدريس ، وراق الحميدي ، قال : سمعت الحميدي يقول : قال الشافعي : خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها .

حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، ثنا أحمد بن أبي سريج ، عن أحمد بن سنان الواسطي ، قال : كتب الشافعي حديث ابن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في ناحية المسجد فقال : ارجع فصل ، فإنك لم تصل " فكتب الشافعي هذا الحديث عن حسين الألثغ ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن عجلان ، قال أبو محمد بن أبي حاتم : لحرص الشافعي على طلب الصحيح من العلم كتب عن رجل ، عن يحيى بن سعيد القطان الحديث الذي احتاج إليه ، ولم يأنف بكتابته عمن هو في سنه وأصغر منه ، ولعل يحيى بن سعيد كان حيا في ذلك الوقت ، فلم يبال بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية