صفحة جزء


قال الشيخ أبو نعيم - رحمه الله تعالى - : كان الإمام الشافعي - رضي الله عنه - للآثار والسنن تابعا ، وفي استنباط الأحكام والأقضية رائعا ، وبالمقاييس المبنية على الأصول قائلا ، وعن الآراء الفاسدة المخالفة للأصول عادلا .

حدثنا أبو النضر شافع بن محمد بن أبي عوانة ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن مكحول البيروتي ، ثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول : الأصل القرآن والسنة أو قياس عليهما ، والإجماع أكثر من الحديث .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل قال : حدثني أبو علي حسان بن أبان بن عثمان القاضي بمصر ، حدثني أبو أحمد جامع بن القاسم ، ثنا أبو بكر المستملي محمد بن يزيد بن حكيم قال : رأيت محمد بن إدريس الشافعي في المسجد الحرام ، وقد جعلت له طنافس يجلس عليها ، فأتاه رجل من أهل خراسان فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في أكل فرخ الزنبور ؟ قال : حرام . فقال الخراساني : حرام ؟ ! فقال : نعم ، من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعقول ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) هذا من كتاب الله ، وحدثنا سفيان ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى الربعي ، عن حذيفة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر " . هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثونا عن إسرائيل ، قال [ ص: 110 ] أبو بكر المستملي : ثنا أبو أحمد ، عن إسرائيل ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة ، أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الزنبور . وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله . فسكت الرجل ومضى . وكان هذا إعجابا من المستملي بالشافعي .

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ، ثنا زكريا بن يحيى الساجي ح ، وحدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن يحيى بن آدم ، ثنا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن : من أفطر يوما من رمضان قضى اثني عشر يوما ؛ لأن الله عز وجل اختار شهرا من اثني عشر شهرا . قال الشافعي : يقول له : قال الله تعالى : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه أن يصلي ألف شهر على قياسه .

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ، ثنا محمد بن الحسن الكرخي ، ثنا علي بن أحمد الخوارزمي ، قال : حدثني الربيع بن سليمان ، قال : سأل رجل من أهل بلخ الشافعي عن الإيمان فقال للرجل : فما تقول أنت فيه ؟ قال : أقول : إن الإيمان قول ، قال : ومن أين قلت ؟ قال : من قول الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فصارت الواو فصلا بين الإيمان والعمل ، فالإيمان قول ، والأعمال شرائعه . فقال الشافعي : وعندك الواو فصل ؟ قال : نعم . قال : فإذا كنت تعبد إلهين إلها في المشرق وإلها في المغرب ؛ لأن الله تعالى يقول : ( رب المشرقين ورب المغربين ) فغضب الرجل ، وقال : سبحان الله ! أجعلتني وثنيا ؟ فقال الشافعي : بل أنت جعلت نفسك كذلك ، قال : كيف ؟ قال : بزعمك أن الواو فصل . فقال الرجل : فإني أستغفر الله مما قلت ، بل لا أعبد إلا ربا واحدا ، ولا أقول بعد اليوم إن الواو فصل ، بل أقول : إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، قال الربيع : فأنفق على باب الشافعي مالا عظيما ، وجمع كتب الشافعي ، وخرج من مصر سنيا .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ثنا جعفر بن أحمد بن ياسين ، ثنا الحسين بن علي ، قال : جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي ، فقالت له : يا أبا عبد الله إن ابني هذا يحبك ، وإن ذكرت عنده أجلك ، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه ، فقد عاداه الناس عليه ، فقال الشافعي : أفعل ، فشهدت [ ص: 111 ] الشافعي ، وقد دخل عليه بشر فقال الشافعي : أخبرني عن ما تدعو إليه ، أفيه كتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة ووجب على الناس البحث فيه والسؤال ؟ فقال بشر : ليس فيه كتاب ناطق ، ولا فرض مفترض ، ولا سنة قائمة ، ولا وجب على السلف البحث فيه إلا أنه لا يسعنا خلافه . فقال له الشافعي : قد أقررت على نفسك الخطأ ، فأين أنت عن الكلام في الأخبار والفقه ، وتوافيك الناس عليه وتترك هذا ؟ فقال : لنا فيه تهمة . فلما خرج بشر ، قال الشافعي : لا يفلح .

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ، قال : سمعت زكريا الساجي يقول : سمعت أبا يعقوب البويطي ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : إنما خلق الله الخلق بكن ، فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق .

حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا الساجي ، حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : سمعت الحسين بن علي يقول : سئل الشافعي عن شيء من الكلام فغضب وقال : سل هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك به خير من النظر في الكلام ، فإني والله اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت أحمد بن محمد بن الحارث ، يقول : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعي يقول : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، ثنا أبو ثور ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن يحيى بن آدم ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : لو علم الناس ما في الكلام والأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد .

حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا زكريا الساجي ، ثنا أبو داود ، ثنا أبو ثور [ ص: 112 ] قال : سمعت الشافعي ، يقول : من ارتدى بالكلام لا يفلح ، وذهب الشافعي مذهب أهل الحديث . كان يأخذ بعامة قوله أحمد بن حنبل والبويطي والحميدي وأبو ثور وعامة أصحاب الحديث وقال : كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال : أما أنا فعلى بينة من ديني ، وأما أنت فشاك ، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه ، وكان يقول : لست أرى لأحد سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفيء سهما .

حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا زكريا الساجي ، ثنا الربيع ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي ، يقول : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء . وذلك أنه رأى قوما يتجادلون في القدر بين يديه ، فقال الشافعي : في كتاب الله المشيئة دون خلقه والمشيئة إرادة الله يقول الله تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) فأعلم خلقه أن المشيئة له . وكان يثبت القدر ، وقال في كتابه : من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه كفارة : لأنه حلف بغير مخلوق .

حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا زكريا الساجي ، قال : سمعت أبا شعيب المصري يقول - وأثنى عليه الربيع خيرا - قال : حضرت الشافعي ، وعن يمينه عبد الله بن عبد الحكم وعن يساره يوسف بن عمرو بن يزيد وحفص الفرد حاضر ، فقال لابن عبد الحكم : ما تقول في القرآن ؟ قال : أقول كلام الله ، قال : ليس إلا ؟ ثم سأل يوسف بن عمرو ، فقال له مثل ذلك ، فجعل الناس يومئون إليه أن يسأل الشافعي فقال حفص الفرد : يا أبا عبد الله الناس يحيلون عليك . قال : فقال : دع الكلام في هذا ، قالوا : فقال للشافعي : ما تقول يا أبا عبد الله في القرآن ؟ قال : أقول القرآن كلام الله غير مخلوق ، فناظره وتحاربا في الكلام حتى كفره الشافعي ، فقام حفص مغضبا فلقيته من الغد في سوق الدجاج بمصر ، فقال لي : رأيت ما فعل بي الشافعي أمس ؟ كفرني ، قال : ثم مضى ، ثم رجع فقال : أما إنه مع هذا ما أعلم إنسانا أعلم منه .

حدثنا الحسن ، ثنا زكريا الساجي ، قال : سمعت أبا شعيب ، يقول : سمعت محمدا [ ص: 113 ] حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة ، ثنا جدي حرملة بن يحيى قال : كنا عند محمد بن إدريس الشافعي فقال حفص الفرد - وكان صاحب كلام - : القرآن مخلوق . فقال الشافعي : كفرت .

حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا الحسن بن علي الجصاص ، قال : سمعت الربيع ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : من قال القرآن مخلوق فهو كافر .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا زكريا الساجي ، قال : سمعت الربيع ، يقول : سمعت محمد بن إدريس يقول : من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه كفارة ؛ لأن أسماء الله غير مخلوقة ، ومن حلف بالكعبة أو بالصفا والمروة فليس عليه كفارة ؛ لأنه مخلوق ، وذلك ليس بمخلوق .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة ، ثنا جدي حرملة قال : سمعت محمد بن إدريس ، يقول : إياكم والنظر في الكلام فإن رجلا لو سئل عن مسألة من الفقه فأخطأ فيها أو سئل عن رجل قتل رجلا فقال : ديته بيضة ، كان أكبر شيء أن يضحك فيه ، ولو سئل عن مسألة من الكلام فأخطأ فيها نسب إلى البدعة .

حدثنا علي بن هارون ، ثنا أبو بكر بن أبي داود ، ثنا أحمد بن سنان ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : مثل الذي نظر في الرأي ثم تاب عنه مثل المخربق الذي عولج حتى برئ بأعقل ما يكون قد هاج به .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت محمد بن يحيى بن آدم يقول : سمعت المزني ، يقول : قال الشافعي : تدري من القدري ؟ القدري الذي يقول إن الله لم يخلق الشر حتى عمل به .

حدثنا أبو بكر الآجري ، ثنا عبد الله بن محمد العطشي ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا حرملة بن يحيى ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي ، يقول : البدعة بدعتان : بدعة محمودة ، وبدعة مذمومة . فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم ، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان : نعمت البدعة هي .

[ ص: 114 ] حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا أبو زكريا النيسابوري ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) قال : في العبرة عندكم إنما يقول لشيء لم يكن : كن ، فيخرج مفصلا بعينيه وأذنيه وأنفه وسمعه ومفاصله ، وما خلق الله فيه من العروق ، فهذا في العبرة أشد من أن يقول لشيء قد كان : عد إلى ما كنت ، فهو إنما هو أهون عليه في العبرة عندكم ، ليس أن شيئا يعظم على الله عز وجل .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني جعفر بن أحمد بن يحيى السراج ، ثنا الربيع بن سليمان بن المرادي ، قال : قال لي محمد بن إدريس الشافعي : ما ساق الله هؤلاء الذين يتقولون في علي وفي أبي بكر وعمر وغيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ليجري الله لهم الحسنات وهم أموات .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن مكويه ، ثنا يونس بن عبد الأعلى ، ثنا الشافعي ، قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : ما تقول في أهل صفين ؟ قال : تلك دماء طهر الله يدي منها ، فلا أحب أن أخضب لساني فيها .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني محمد بن أحمد الخلال ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : ما صح في الفتنة حديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - إلا حديث عثمان بن عفان " أنه مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا يومئذ على الحق " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، حدثني حرملة ، قال : سمعت الشافعي يقول : لم أر أحدا من أصحاب الأهواء أشهد بالزور من الرافضة .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي عن الربيع بن سليمان ، عن الشافعي ، أنه كان يكره الصلاة خلف القدري ، وسمعت الشافعي يقول : أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبو أحمد حاتم بن عبد الله الجهازي [ ص: 115 ] قال : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ثم تلا هذه الآية : ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) الآية .

حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، قال : سمعت الربيع ، يحكي عن الشافعي ، قال : ما أعلم في الرد على المرجئة شيئا أقوى من قول الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) .

حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا زكريا الساجي ، قال : سمعت الحسن بن محمد ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : أجمع الناس على أبي بكر ، واستخلف أبو بكر عمر ، ثم جعل الشورى على ستة ، على أن يولوها واحدا منهم ، فولوها عثمان ، قال الشافعي : وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم ، قال الحسن : ومن كتب الشافعي أحاديث في الرؤية وعذاب القبر لم يكن الشافعي يتكلم في شيء من هذا ، وإنما استخرجناه لأنه كان يكره أن يضع في هذا شيئا . وسئل أن يضع في الإرجاء كتابا فأبى . وكان ينهى عن الجدل والكلام فيه ، ويذم أهل البدع ويأمر بالنظر في الفقه .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، قال : سمعت حرملة بن يحيى يقول : اجتمع حفص الفرد ومصلان الإباضي عند الشافعي في دار الجروي ، وأنا حاضر ، واختصم حفص الفرد ومصلان في الإيمان ، فاحتج على مصلان ، وقوي عليه ، وضعف مصلان ، فحمي الشافعي وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، فطحن حفصا الفرد وقطعه .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا أبو بكر ، ثنا النيسابوري ، قال : قال هارون بن سعيد : لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب بالمناظرة لاقتداره عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية