صفحة جزء
حدثني أبي ، ثنا حسين الأشقر ، ثنا أبو بكر بن عياش قال : استعمل يحيى بن أبي وائل على قضاء الكناسة . فقال أبو وائل لجاريته : يا بركة ، لا تطعميني شيئا إلا ما يجيء به يحيى من الكناسة .

قال أبو الفضل : " فلما مضى نحو من شهرين كتب لنا بشيء فجيء به إلينا فأول من جاء عمه فأخذ ، فأخبر فجاء إلى الباب الذي كان سده بيني وبينه ، وقد كان فتح الصبيان كوة ، فقال : ادعوا لي صالحا ، فجاء الرسول وقلت له : قل له : لست أجيء ، فوجه إلي لم لا تجيء ؟ فقلت : قل له : هذا الرزق يرتزقه جماعة كثيرة ، وإنما أنا واحد منهم ، وليس فيهم أعذر مني وإذا كان توبيخ خصصت به أنا . فلما نادى عمه بالأذان خرج ، فلما خرج قيل لي : إنه قد خرج إلى المسجد ، فجئت حتى صرت في موضع أسمع فيه كلامه ، فلما فرغ من الصلاة التفت إلى عمه ، ثم قال له : نافقتني وكذبتني وكان غيرك أعذر منك ، زعمت أنك لا تأخذ من هذا شيئا ثم أخذته ، وأنت تستغل مائتي درهم وعمدت إلى طريق المسلمين تستغله ، إنما أشفق عليك أن تطوق يوم القيامة بسبع أرضين ، أخذت هذا الشيء بغير حقه ، فقال : قد تصدقت . قال تصدقت بنصف درهم ، ثم هجره وترك الصلاة في المسجد ، وخرج إلى مسجد خارج يصلي فيه " .

قال صالح : وحدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد قال : سمعت شيخنا يحدث قال : استعمل بعض أمراء البصرة عبد الله بن محمد بن واسع على الشرطة ، فأتاه محمد بن واسع فقيل للأمير : محمد بالباب . فقال للقوم : ظنوا به ، فقال بعضهم : جاء يشكر للأمير استعمل ابنه . فقال : لا ، ولكنه جاء يطلب لابنه الإعفاء - أو قال : العافية - قال : فأذن له ، فلما دخل قال : أيها الأمير ، بلغني أنك استعملت ابني ، وإني أحب أن تسترنا يسترك الله . قال : قد أعفيناه يا أبا عبد الله . قال أبو الفضل صالح : " ثم كتب لنا بشيء فبلغه فجاء إلى الكوة التي في الباب فقال : يا صالح ، انظر ما كان للحسن علي فاذهب به إلى بوران حتى يتصدق به في الموضع الذي أخذ [ ص: 215 ] منه . فقلت : وما علم بوران من أي موضع أخذ هذا ؟ فقال : افعل ما أقول لك ، فوجهت بما كان أصابهما إلى بوران وكان إذا بلغه أنا قبضنا شيئا طوي تلك الليلة فلم يفطر ، ثم مكث أشهرا لا أدخل إليه ، ثم فتح الصبيان الباب ودخلوا غير أنه لا يدخل إليه من منزلي شيء ، ثم وجهت إليه : يا أبت قد طال هذا الأمر وقد اشتقت إليك فسكت . فدخلت إليه فأكببت عليه وقلت له : يا أبت ، تدخل على نفسك هذا الغم ؟ فقال : يا بني ، يأتيني ما لا أملكه ، ثم مكثنا مدة لم نأخذ شيئا ، ثم كتب لنا بشيء فقبضنا فلما بلغه هجرنا أشهرا ، فكلمه بوران ووجه إلى بوران ، فدخلت فقال له : يا أبا عبد الله : صالح يرضيك الله . فقال : يا أبا محمد والله لقد كان أعز الخلق علي وأي شيء أردت له ، ما أردت له إلا ما أردت لنفسي . فقلت له : يا أبت ومن رأيت أنت ، أو من لقيت قوي على ما قويت أنت عليه ؟ قال : وتحتج علي ؟ قال أبو الفضل : ثم كتب أبي رحمه الله إلى يحيى بن خاقان يسأله ويعزم عليه أن لا يعيننا على شيء من أرزاقنا ولا يتكلم فيه ، فبلغني فوجهت إلى القيم لنا وهو ابن غالب ابن بنت معاوية بن عمرو ، وقد كنت قلت له : يا أبت إنه يكبر عليك وقد عزمت إذا حدث أمر أخبرتك به ، فلما وصل رسوله بالكتاب إلى يحيى أخذه من صاحب الخبر قال : فأخذت نسخته ووصلت إلى المتوكل ، فقال لعبد الله : كم من شهر لولد أحمد بن حنبل ، فقال : عشرة أشهر ، قال : تحمل الساعة إليهم أربعون ألف درهم من بيت المال صحاحا ولا يعلم بها ، فقال يحيى للقيم : أنا أكتب إلى صالح وأعلمه ، فورد علي كتابه فوجهت إلى أبي أعلمه ، فقال الذي أخبره : إنه سكت قليلا ، وضرب بذقنه ساعة ثم رفع رأسه فقال : ما حيلتي إذا أردت أمرا وأراد الله أمرا .

قال أبو الفضل : وجاء رسول المتوكل إلى أبي يقول : لو سلم أحد من الناس سلمت ، رفع رجل إلي وقت كذا أن علويا قدم من خراسان وأنك وجهت إليه بمن يلقاه ، وقد حبست الرجل وأردت ضربه وكرهت أن تغتم فمر فيه . فقال : هذا باطل ، تخلي سبيله . قال : وكان رسول المتوكل يأتي أبي يبلغه السلام ويسأله عن حاله فنسر نحن بذلك فتأخذه نفضة حتى ندثره ، ويقول : والله لو أن نفسي في يدي لأرسلتها ، ويضم أصابعه ويفتحها .

[ ص: 216 ]

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ح . وحدثنا محمد بن علي أبو الحسين ، قالوا : ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا صالح بن أحمد بن حنبل ، قال : كتب عبيد الله بن يحيى إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك كتابا أسألك من أمر القرآن لا مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة .

فأملى علي أبي رحمه الله إلى عبيد الله بن يحيى - وحدي ما معنا أحد - بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ودفع عنك مكاره الدنيا برحمته ، قد كتبت إلي رضي الله تعالى عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني ، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين ، قد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد يغتمسون فيه حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين ، فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس ، فصرف الله ذلك كله وذهب به بأمير المؤمنين ، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما ، ودعوا الله لأمير المؤمنين ، وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين ، وأن يزيد في بيته ويعينه على ما هو عليه ، فقد ذكر عن عبد الله بن عباس أنه قال : " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم " .

وذكر عن عبد الله بن عمر أن فقراء كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : ألم يقل الله كذا ؟ وقال بعضهم : ألم يقل الله كذا ؟ قال : فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان ، فقال : " أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا ، إنكم لستم مما هنا في شيء ، انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به ، وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه " .

وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مراء في القرآن كفر " .

وروي عن أبي جهم - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر " .

وقال عبد الله بن العباس : قدم على عمر بن الخطاب رجل فجعل عمر يسأل عن الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا . فقال ابن عباس : " فقلت : [ ص: 217 ] والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة " . قال : فنهرني عمر وقال : مه ، فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا ، فبينما أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال : أجب أمير المؤمنين . فخرجت ، فإذا هو بالباب ينتظرني فأخذ بيدي فخلا بي ، وقال : ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا . فقلت : " يا أمير المؤمنين ، متى ما يتسارعوا هذه المسارعة يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يختصموا ، ومتى ما يختصموا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا " ، قال : لله أبوك ، والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها .

وروي عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول : " هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ؟ " .

وروي عن جبير بن نفير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم لن ترجعوا بشيء أفضل مما خرج منه " يعني القرآن .

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : " جردوا القرآن لا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله عز وجل " .

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : " هذا القرآن كلام الله فضعوه مواضعه " .

وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، إني إذا قرأت كتاب الله وتدبرته كدت أن أيأس وينقطع رجائي ، قال : فقال الحسن : " إن القرآن كلام الله ، وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير ، فاعمل وأبشر " .

وقال فروة بن نوفل الأشجعي : كنت جارا لخباب - وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - فخرجت معه يوما من المسجد وهو آخذ بيدي فقال : يا هذا ، تقرب لله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه .

وقال رجل للحكم بن عتبة : ما حمل أهل الأهواء على هذا ؟ قال : " الخصومات " .

وقال معاوية بن قرة - وكان أبوه ممن أتى النبي صلى الله عليه وسلم - : " إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال " .

وقال أبو قلابة - وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " لا تجالسوا أصحاب الأهواء - أو قال : أصحاب الخصومات - فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون " .

ودخل [ ص: 218 ] رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين فقالا : يا أبا بكر ، نحدثك بحديث ؟ فقال : " لا " . قالا : فنقرأ عليك آية من كتاب الله ؟ قال : " لتقومان عني أو لأقوم عنكما " . قال : فقام الرجلان فخرجا : فقال بعض القوم : يا أبا بكر وما عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى ، فقال له ابن سيرين : " إني خشيت أن يقرآ علي آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي " .

وقال محمد : " لو أعلم أني أكون مبتلى الساعة لتركتها " .

وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني : يا أبا بكر ، أسألك عن كلمة ؟ فولى وهو يقول بيده : ولا نصف كلمة .

وقال ابن طاوس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع : " يا بني أدخل أصبعيك في أذنيك ، لا تسمع ما يقول " . ثم قال : " اشدد " .

وقال عمر بن عبد العزيز " من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل " .

وقال إبراهيم النخعي : إن القوم لم يدخل عنهم شيء خير لكم لفضل عندكم .

وكان الحسن رحمه الله يقول : " شر داء خالط قلبا " . يعني الأهواء .

وقال حذيفة بن اليمان - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا الله معشر القراء ، وخذوا طريق من كان قبلكم ، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا - أو قال : مبينا - " . قال أبي رحمه الله : وإنما تركت ذكر الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين ، لولا ذلك لذكرتها بأسانيدها ، وقد قال الله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، وقال : ( ألا له الخلق والأمر ) فأخبر بالخلق ، ثم قال : والأمر ، فأخبر أن الأمر غير المخلوق ، وقال عز وجل : ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) فأخبر تعالى أن القرآن من علمه ، وقال تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) وقال : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ) وقال [ ص: 219 ] تعالى : ( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق ) فالقرآن من علم الله تعالى . وفي هذه الآيات دليل على أن الذي جاءه صلى الله عليه وسلم هو القرآن لقوله : ( ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ) وقد روي عن غير واحد ممن مضى من سلفنا أنهم كانوا يقولون : القرآن كلام الله ليس بمخلوق . وهو الذي أذهب إليه لست بصاحب كلام ولا أدري الكلام في شيء من هذا ، إلا ما كان في كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين رحمهم الله ، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود .

قال أبو الفضل : وقدم المتوكل فنزل الشماسية يريد المدائن ، فقال لي أبي : يا صالح ، أحب أن لا تذهب اليوم ولا تنبه علي ، فلما كان بعد يوم وأنا قاعد خارجا ، وكان يوم مطر إذا يحيى بن خاقان قد جاء والمطر عليه في موكب عظيم ، فقال : سبحان الله لم تصل إلينا حتى نبلغ أمير المؤمنين السلام عن شيخك حتى وجه بي ، ثم نزل خارج الزقاق فجهدت به أن يدخل على الدابة ، فلم يفعل فجعل يخوض المطر ، فلما صار إلى الباب نزع جرموقه وكان على خفه ، ودخل وأبي في الزاوية قاعد ، عليه كساء مربع وعمامة والستر الذي على الباب قطعة خيش ، فسلم عليه وقبل جبهته وسأله عن حاله ، وقال : أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول : كيف أنت في نفسك وكيف حالك ؟ وقد أنست بقربك ، ويسألك أن تدعو له . فقال : ما يأتي علي يوم إلا وأنا أدعو الله له . ثم قال : قد وجه معي ألف دينار تفرقها على أهل الحاجة ، فقال له : يا أبا زكريا أنا في البيت منقطع عن الناس وقد أعفاني من كل ما أكرهه . فقال : يا أبا عبد الله ، الخلفاء لا يحتملون هذا . فقال : يا أبا زكريا تلطف في ذلك ، فدعا له ثم قام ، فلما صار إلى الدار رجع ، وقال : أهكذا كنت لو وجه إليك بعض إخوانك تفعل ؟ قال : نعم ، فلما صرنا إلى الدهليز قال : قد أمرني أمير المؤمنين أن أدفعها إليك تفرقها ، فقلت : تكون عندك إلى أن تمضي هذه الأيام . قال أبو الفضل : وقد كان وجه محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أبي في وقت قدومه بالعسكر : " أحب [ ص: 220 ] أن تصير إلي وتعلمني الذي تعزم عليه حتى لا يكون عندي أحد " . فوجه إليه : " أنا رجل لم أخالط السلطان ، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره ، وهذا مما أكره " . فجهد أن يصير إليه فأبى ، وكان قد أدمن الصوم لما قدم وجعل لا يأكل الدسم ، وكان قبل ذلك يشترى له شحم بدرهم فيأكل منه شهرا ، فترك أكل الشحم وأدام الصوم والعمل ، وتوهمت أنه قد كان جعل على نفسه أن يفعل ذلك إن سلم ، وكان حمل إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين ثم مكث إلى سنة إحدى وأربعين وكان قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ، فلما كان أول شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين حم ليلة الأربعاء وكان في خريقته قطيعات فإذا أراد الشيء أعطينا من يشتري له ، وقال لي يوم الثلاثاء وأنا عنده انظر في خريقتي شيء ؟ فنظرت فإذا فيها درهم ، فقال : وجه ، اقتض بعد السكان فوجهت فأعطيت شيئا ، فقال : وجه فاشتر لي تمرا وكفر عني كفارة يمين . فاشتريت وكفرت عن يمينه ، وبقي من ثمن التمر ثلاثة دراهم فأخبرته ، فقال : الحمد لله . وكنت أنام بالليل إلى جنبه فإذا أراد حاجة حركني فأناوله وجعل يحرك لسانه ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها ، ولم يزل يصلي قائما أمسكه فيركع ويسجد وأرفعه ، واجتمعت عليه أوجاع الخصر وغير ذلك ، ولم يزل عقله ثابتا ، فلما كان يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول لساعتين من النهار توفي رحمة الله تعالى عليه .

حدثنا أبو علي عيسى بن محمد الجريجي ، ثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي قال : كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل ، فدخلت عليه فقال لي : " فيم تنظر ؟ " فقلت : في النحو والعربية والشعر ، فأنشدني أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه :


إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب     ولا تحسبن الله يخلف ما مضى
وأن الذي يخفى عليه يغيب     لهونا عن الأيام حتى تتابعت
ذنوب على آثارهن ذنوب     فيا ليت أن يغفر الله ما مضى
ويأذن لي في توبة فأتوب

حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني ، ثنا محمد بن إسحاق السراج ، قال : [ ص: 221 ] سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول : رأيت أبا زرعة في المنام ، فقلت له : ما حالك يا أبا زرعة ؟ فقال : أحمد الله على الأحوال كلها ، إني أحضرت فأوقفت بين يدي الله تعالى فقال لي : يا عبيد الله لم لا تورعت من القول في عبادي ؟ فقلت : يا رب إنهم حاولوا دينك ، فقال : صدقت . ثم أتي بطاهر الحلقاني فاستعديت عليه إلى ربي فضرب الحد مائة ثم أمر به إلى الحبس ، ثم قال : ألحقوا عبيد الله بأصحابه ، بأبي عبد الله وأبي عبد الله وأبي عبد الله : سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية