صفحة جزء
حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن زيد ، ثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء ، ثنا سعيد بن عبد الحكم ، قال : سمعت ذا النون يقول : خرجت في طلب المناجاة فإذا أنا بصوت فعدلت إليه فإذا أنا برجل قد غاص في بحر الوله ، وخرج علي ساحل الكمه ، وهو يقول في دعائه : أنت تعلم أني لا أعلم أن الاستغفار مع الإصرار لؤم ، وأن تركي الاستغفار مع معرفتي بسعة رحمتك لعجز ، إلهي أنت الذي خصصت خصائصك بخالص الإخلاص ، وأنت الذي سلمت قلوب العارفين من اعتراض الوسواس ، وأنت آنست الآنسين من أوليائك ، وأعطيتهم كفاية رعاية المتوكلين عليك ، تكلؤهم في مضاجعهم ، وتطلع على سرائرهم ، وسري عندك مكشوف ، وأنا إليك ملهوف . قال : ثم سكنت صرخته فلم أسمع له صوتا .

حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان ، قال : سمعت ذا النون أبا الفيض ، يقول : " اللهم اجعلنا من الذين تفكروا فاعتبروا ، ونظروا فأبصروا ، وسمعوا فتعلقت قلوبهم بالمنازعة إلى طلب الآخرة حتى أناخت وانكسرت عن النظر إلى الدنيا وما فيها ، ففتقوا بنور الحكم ما رتقه ظلم الغفلات وفتحوا أبواب مغاليق العمى بأنوار مفاتيح الضياء ، وعمروا مجالس الذاكرين بحسن مواظبة استيدام الثناء ، اللهم اجعلنا من الذين تراسلت عليهم ستور عصمة الأولياء ، وحصنت قلوبهم بطهارة الصفاء ، وزينتها بالفهم والحياء ، وطيرت همومهم في ملكوت سماواتك حجابا حتى تنتهي إليك فرددتها بظرائف الفوائد . اللهم اجعلنا من الذين سهل عليهم طريق الطاعة ، وتمكنوا في أزمة التقوى ، ومنحوا بالتوفيق منازل الأبرار فزينوا وقربوا وكرموا بخدمتك " .

وسمعته يقول : " لك الحمد يا ذا المن والطول والآلاء والسعة ، إليك توجهنا وبفنائك أنخنا ، ولمعروفك تعرضنا ، وبقربك نزلنا ، يا حبيب التائبين ، ويا سرور [ ص: 336 ] العابدين ، ويا أنيس المتفردين ، ويا حرز اللاجئين ويا ظهر المنقطعين ، ويا من حبب إليه قلوب العارفين وبه آنست أفئدة الصديقين ، وعليه عطفت رهبة الخائفين ، يا من أذاق قلوب العابدين لذيذ الحمد وحلاوة الانقطاع إليه ، يا من يقبل من تاب ويعفو عمن أناب ، ويدعو المولين كرما ، ويرفع المقبلين إليه تفضلا ، يا من يتأنى على الخاطئين ويحلم عن الجاهلين ، ويا من حل عقدة الرغبة من قلوب أوليائه ، ومحا شهوة الدنيا عن فكر قلوب خاصته وأهل محبته ، ومنحهم منازل القرب والولاية ، ويا من لا يضيع مطيعا ولا ينسى صبيا ، يا من منح بالنوال ، ويا من جاد بالاتصال ، يا ذا الذي استدرك بالتوبة ذنوبنا ، وكشف بالرحمة غمومنا ، وصفح عن جرمنا بعد جهلنا ، وأحسن إلينا بعد إساءتنا ، يا آنس وحشتنا ويا طبيب سقمنا ، يا غياث من أسقط بيده ، وتمكن حبل المعاصي ، وأسفر خدر الحيا عن وجهه ، هب خدودنا للتراب بين يديك ، يا خير من قدر وأرأف من رحم وعفا " .

حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان ، قال : سمعت ذا النون ، يقول : " أسألك باسمك الذي ابتدعت به عجائب الخلق في غوامض العلم ، يجود جلال جمال وجهك في عظيم عجيب تركيب أصناف جواهر لغاتها ، فخرت الملائكة سجدا لهيبتك من مخافتك ، أن تجعلنا من الذين سرحت أرواحهم في العلى وحطت همم قلوبهم في مغلبات الهوى ، حتى أناخوا في رياض النعيم ، وجنوا من ثمار التسنيم ، وشربوا بكأس العشق وخاضوا لجج السرور واستظلوا تحت فناء الكرامة ، اللهم اجعلنا من الذين شربوا بكأس الصفا ، فأورثهم الصبر على طول البلاء ، حتى توليت قلوبهم في الملكوت وجالت بين سرائر حجب الجبروت ، ومالت أرواحهم في ظل برد نسيم المشتاقين الذين أناخوا في رياض الراحة ، ومعدن العز وعرصات المخلدين " .

حدثنا أبي ، ثنا سعيد بن أحمد ، ثنا عثمان ، قال : سمعت ذا النون ، يقول : " اعتل رجل من إخواني فكتب إلي أن ادع الله لي فكتبت إليه : سألتني أن أدعو [ ص: 337 ] الله لك أن يزيل عنك النعم ، واعلم يا أخي أن العلة مجزلة يأنس بها أهل الصفا والهمم ، والضياء في الحياة ذكرك للشفاء ، ومن لم يعد البلاء نعمة فليس من الحكماء ، ومن لم يأمن التشفيق على نفسه فقد أمن أهل التهمة على أمره ، فليكن معك يا أخي حياء يمنعك عن الشكوى ، والسلام " .

التالي السابق


الخدمات العلمية