صفحة جزء
حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : بينا أنا نائم ، في صحن مسجد ذي النون في جوف الكعبة فسمعته ، وهو يقول :


حبك قد أرقني وزاد قلبي سقما     كتمته في القلب
والأحشا حتى انكتما     لا تهتك ستري الذي
ألبستني تكرما     ضيعت نفسي سيدي
فردها مسلما



ثم قال : " سقى الله أرواح قوم مناها إن ذكروا الله فنسوا النفوس لم يذكروا مع الله غير الله " . ثم قال : " هم والله مرادون قد خصوا وصفوا وطيبوا فعاشوا [ ص: 384 ] بروح الله في أعظم القدر " .

حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا أبو الحسن ، قال : قال يوسف بن الحسين ، : قال ذو النون شعرا :


لذ قوم فأسرفوا     ورجال تقشفوا
جعلوا إلههم واحدا     ومضوا ما تخلفوا
طالبين جنة     آثروها فأسعفوا



حدثنا عثمان ، ثنا أحمد بن محمد البغدادي ، قال : سمعت يوسف ، يقول : سمعت ذا النون ، يقول : " إلهي ، الشيطان لك عدو ولنا عدو ، ولن تغيظه بشيء أنكأ له من عفوك عنا فاعف عنا " .

حدثنا عثمان ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، ثنا يوسف بن الحسين ، قال : قال ذو النون " ما هلك من هلك إلا بطلب أمر قد أخفاه أو إنكار أمر قد أبداه " .

حدثنا عثمان ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، ثنا يوسف بن الحسين ، قال : قال ذو النون : دخلت على بعض متعبدي العرب فقلت له : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت في بحابح نعمه أجول ، وبلسان فضله وإحسانه أقول ، نعماؤه علي باطنة وظاهرة ، وغصون رياض مواهبه علي مشرقة زاهرة . قال : وقال ذو النون : دخلت على متعبدة فقلت لها : كيف أصبحت ؟ فقالت : أصبحت من الدنيا على وقار مبادرة في أخذ الجهاز ، متأهبة لهول يوم الجواز ، له علي نعم أعترف بتقصيري عن شكرها ، وأتصل عن ضعفي عن إحصائها وذكرها ، فقد غفلت القلوب عنه وهو منشيها ، وأدبرت النفوس عنه ، وهو يناديها فسبحانه ما أمهله فلا نام مع تواتر الأيادي والإنعام .

قال وسمعته يقول : " أنت ملك مقتدر ، وأنا عبد مفتقر ، أسألك العفو تذللا فأعطنيه تفضلا " .

قال وسمعت ذا النون ، يقول : " من المحال أن يحسن منك الظن ولا يحسن منه المن ، قال : وسمعته يقول : كيف أفرح بعملي وذنوبي مزدحمة ؟ أم كيف أفرح بأملي وعاقبتي مبهمة ؟

قال وسمعته يقول : " الكيس من بادر بعمله وسوف بأمله واستعد لأجله " .

[ ص: 385 ] حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان ، قال : سمعت ذا النون ، يقول : " إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي ، إلهي كيف أنقلب من عندك محروما وقد كان حسن ظني بك منوطا ، إلهي فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآدميين ، إلهي سمع العابدون بذكرك فخضعوا ، وسمع المذنبون بحسن عفوك فطمعوا ، إلهي إن كانت أسقطتني الخطايا من مكارم لطفك فقد آنسني اليقين إلى مكارم عطفك ، إلهي إن أمنتني الغفلة من الاستعداد للقائك ، فقد نبهتني المعرفة لكرم آلائك . إلهي إن دعاني إلى النار أليم عقابك فقد دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك " .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا سعيد بن عثمان ح ، وحدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد ، قال : قرأت على أبي الفضل محمد بن أحمد بن سهل ، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط ، قال : سمعت ذا النون وسأله الحسن بن محمد ، عن صفة المهمومين ، فقال له ذو النون : " لو رأيتهم لرأيت قوما لهم هموم مكنونة خلقت من لباب المعرفة ، فإذا وصلت المعرفة إلى قلوبهم سقاهم بكأس سر السر من مؤانسة سر محبته فهاموا بالشوق على وجوههم فعندها لا يحطون رحال الهم إلا بفناء محبوبهم فلو رأيتهم لرأيت قوما أزعجهم الهم عن أوطانهم ، وثبتت الأحزان في أسرارهم ، فهممهم إليه سائرة ، وقلوبهم إليه من الشوق طائرة ، فقد أضجعهم الخوف على فرش الأسقام ، وذبحهم الرجاء بسيف الانتقام ، وقطع نياط قلوبهم كثرة بكائهم عليه ، وزهقت أرواحهم من شدة الوله إليه ، قد هد أجسامهم الوعيد ، وغير ألوانهم السهر الشديد ، إلى الهرب من المواطن والمساكن والأعلاق إلى أن تفرقوا في الشواهق والمغائص والآكام ، أكلهم الحشيش ، وشربهم الماء القراح ، يتلذذون بكلام الرحمان ينوحون به على أنفسهم نواح الحمام ، فرحين في خلواتهم لا يفتر لهم جارحة في الخلوات ، ولا تستريح لهم قدم تحت ستور الظلمات ، فيا لها نفوس طاشت بهممها والمسارعة إلى محبتها لما أملت من اتصال النظر إلى ربها ، فنظرت فآنست ، ووصلت فأوصلت ، وعرفت ما أراد بها فركبت النجب وفتقت الحجب حتى كشفت [ ص: 386 ] عن همها الكرب ، فنظرت بهمم محبتها إلى وجه الله الواحد القهار ، ثم أنشأ ذو النون يقول :


رجال أطاعوا الله في السر والجهر     فما باشروا اللذات حينا من الدهر
أناس عليهم رحمة الله أنزلت     فظلوا سكونا في الكهوف وفي القفر
يراعون نجم الليل ما يرقدونه     فباتوا بإدمان التهجد والصبر
فداخل هموم القوم للخلق وحشة     فصاح بهم أنس الجليل إلى الذكر
فأجسادهم في الأرض هونا مقيمة     وأرواحهم تسري إلى معدن الفخر
فهذا نعيم القوم إن كنت تبتغي     وتعقل عن مولاك آداب ذوي القدر



حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا سعيد ، قال : سمعت ذا النون ، وقيل له : متى يأنس العبد بربه ؟ قال : " إذا خافه أنس به ، إنما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب " .

حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد ، ثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي ، قال : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : " بلغني أن ذا النون ، يعلم اسم الله الأعظم ، فخرجت من مكة قاصدا إليه حتى وافيته في جيزة مصر ، فأول ما بصر بي ورآني وأنا طويل اللحية وفي يدي ركوة طويلة ، متزر بمئزر وعلى كتفي مئزر ، وفي رجلي ناموسة فاستشنع منظري ، فلما سلمت عليه كأنه ازدراني ، ولم أر منه تلك البشاشة ، فقلت في نفسي : ما تدري مع من وقعت ؟ قال : فجلست ولم أبرح من عنده ، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة جاءه رجل من المتكلمين فناظره في شيء من الكلام فاستظهر على ذي النون وعليه ، فاغتنمت ذلك وبركت بين يديهما واستلبت المتكلم إلي وناظرته حتى قطعته . ثم ناظرته بشيء لم يفهم كلامي ، قال : فتعجب ذو النون - وكان شيخا وأنا شاب - قال : فقام من مكانه وجلس بين يدي وقال : اعذرني فإني لم أعرف محلك من العلم ، وأنت آثر الناس عندي . قال : فما زال بعد ذلك يجلني ويكرمني ويرفعني عن جميع أصحابه حتى بقيت على ذلك سنة ، فقلت له بعد ذلك : يا أستاذ أنا رجل غريب ، وقد اشتقت إلى أهلي وقد خدمتك سنة ، وقد وجب حقي عليك ، وقيل لي إنك تعرف اسم الله [ ص: 387 ] الأعظم وقد جربتني وعرفت أني أهل لذلك ، فإن كنت تعرفه فعلمني إياه . قال : فسكت ذو النون عني ولم يجبني بشيء وأوهمني أنه لعله يقول لي ويعلمني ، ثم سكت عني ستة أشهر ، فلما كان بعد ستة أشهر من يوم مسألتي إياه قال لي : يا أبا يعقوب أليس تعرف فلانا صديقنا بالفسطاط الذي يجيئنا - وسمى رجلا - ؟ فقلت : بلى ، قال : فأخرج إلي من بيته طبقا فوقه مكبة مشدود بمنديل ، فقال لي : أوصل هذا إلى من سميت لك بالفسطاط . قال : فأخذت الطبق لأؤديه فإذا طبق خفيف يدل على أن ليس في جوفه شيء ، فلما بلغت الجسر الذي بين الفسطاط والجيزة قلت في نفسي : ذو النون يوجه إلى رجل بهدية وهذا أرى طبقا خفيفا لأبصرن أي شيء فيه . قال : فحللت المنديل ورفعت المكبة فإذا فأرة قد قفزت من الطبق فمرت . قال : فاغتظت وقلت : إنما سخر بي ذو النون ولم يذهب وهمي إلى ما أراد في الوقت ، قال : فجئت إليه وأنا مغضب فلما رآني تبسم وعرف القصة ، وقال : يا مجنون ائتمنتك في فأرة فخنتني أئتمنك على اسم الله الأعظم ، قم عني فارتحل ولا أراك بعد هذا " .

حدثنا عثمان بن محمد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى ، حدثني محمد بن أحمد الحذاء ، قال : سمعت هارون بن عيسى البغدادي ، يقول حدثني أبي ، عن زرافة صاحب المتوكل قال : لما انصرف ذو النون من عند أمير المؤمنين دخل علي ليودعني ، فقلت له : اكتب لي دعوة . ففعل فقربت إليه جام لوزينج فقلت له : كل من هذا ، فإنه يرزن الدماغ وينفع العقل . فقال : " ينفعه غير هذا " . قلت : وما ينفعه ؟ قال : " اتباع أمر الله والانتهاء عن نهيه ، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه " فقلت : أكرمني بأكله ، فقال : " أريد غير هذا " . قلت : وأي شيء تريد ؟ فقال : " هذا لمن لا يعرف الحلو ولا يعرف أكله ، وإن أهل معرفة الله يتحذرون خلاف هذا اللوزينج " . قلت : لا أظن أحدا في الدنيا يحسن أن يتخذ أجود من هذا ، وأن هذا من مطبخ أمير المؤمنين المتوكل على الله . فقال : " أنا أصف لك لوزينج المتوكل على الله " . قلت : هات لله أبوك . قال : " خذ لباب مكنون محض طعام المعرفة واعجنه [ ص: 388 ] بماء الاجتهاد وانصب أثفية الانكماد ، وطابق صفو الوداد ، ثم اخبز خبز لوزينج العباد ، بحر نيران نفس الزهاد ، وأوقده بحطب الأسى حتى ترمي نيران وفودها بشرر الضنا ، ثم احش ذلك بقيد الرضا ولوز الشجا من ضوضان بمهراس الوفا ، مطيبا بطينة رقة عشق الهوى ، ثم اطوه طي الأكياس للأيام بالعرا ، وقطعه بسكاكين السهر في جوف الدجى ، وارفض لذيذ الكرا ونضده على جامات القلق والسهر ، وانتثر عليه سكرا بعسل من زفرات الحرق ، ثم كله بأنامل التفويض في ولائم المناجاة بوجدان خواطر القلوب ، فعند ذلك تفريج كرب القلوب ، ومحل سرور المحب بالملك المحبوب ثم ودعني " .

أخبرنا أبو بكر بن أحمد البغدادي - في كتابه وقد رأيته - ، وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ، قال : أنشدني محمد بن عبد الملك بن هاشم لذي النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى :


الحمد لله حمدا لا نفاد له     حمدا يفوت مدى الإحصاء والعدد
ويعجز اللفظ والأوهام مبلغه     حمدا كثيرا كإحصاء الواحد الصمد
ملء السماوات والأرضين مذ خلقت     ووزنهن وضعف الضعف في العدد
وضعف ما كان وما قد يكون إلى     بعد القيامة أو يفنى مدى الأبد
وضعف ما دارت الشمس الشروق به     وما اختفى في سماء أو ثرى جرد
وضعف أنعمه في كل جارحة     وكل نفسة نفس واكتساب يد
شكرا لما خصنا من فضل نعمته     من الهدى ولطيف الصنع والرفد
رب تعالى فلا شيء يحيط به     وهو المحيط بنا في كل مرتصد
لا الأين والحيث والكيف يدركه     ولا يحد بمقدار ولا أمد
وكيف يدركه حد ولم تره     عين وليس له في المثل من أحد
أم كيف يبلغه وهم بلا شبه     وقد تعالى عن الأشباه والولد
من أنشأ قبل الكون مبتدعا     من غير شيء قديم كان في الأبد
ودهر الدهر والأوقات واختلفت     بما يشاء فلم ينقص ولم يزد
إذ لا سماء ولا أرض ولا شبح     في الكون سبحانه من قاهر صمد
[ ص: 389 ] ما ازداد بالخلق ملكا حين أنشأهم     ولا يريد بهم دفعا لمضطهد
وكيف وهو غني لا افتقار به     والخلق تضطر بالتصريف والأود
ولم يدع خلق ما لم يبد خلقته     عجزا على سرعة منه ولا تؤد
إحاطة بجميع الغيب عن قدر     أحصى بها كل موجود ومفتقد
وكلهم بافتقار الفقر معترف     إلى فواضله في كل معتمد
العالم الشيء في تصريف حالته     وما عاد منه وما يمضي فلم يعد
ويعلم السر من نجوى القلوب وما     يخفى عليه خفي جال في خلد
ويسمع الحس من كل الورى ويرى     مدارج الذر في صفوانه الجلد
وما توارى من الأبصار في ظلم     تحت الثرى وقرار الغم والثمد
الأول الآخر الفرد المهيمن لم     يعزب ولم يدكر قرب ولا بعد
عال علي عليم لا زوال له     ولم يزل أزليا غير ذي فقد
وجل في الوصف عن كنه الصفات وعن .     مقال ذي الشك والإلحاد والعند
من لا يجازى بنعمى من فواضله     ولم ينله بمدح وصف مجتهد
وكل فكرة مخلوق إذا اجتهدت     بمدحه لم تنل إلا إلى الأبد
مسبح بلغات العارفات به     لم تدر ما غيره ربا ولم تجد
الفالق النور والظلماء وهي على     ما تقاذف بالأمواج والزبد
إذا مدها فوق الريح منشئها     فسبحت وهي فوق الماء في ميد
وشدها بالجبال الصم فاضطأدت     أركانها بشداد الصخر والجلد
برا السماوات سقفا ثم أنشأها     سبعا طباقا بلا عون ولا عمد
تقلهن مع الأرضين قدرته     وكل ذلك لم يثقل ولم يؤد
وبث فيها صنوفا من بدائعه     من الخلائق من مثنى ومن وهد
من كل جنس برا أصنافه وذرا     أشباحه بين مكسور ومنجرد
فيها الملائك بالتسبيح خاضعة     لا يسأمون لطول الدهر والأمد
فمنهم تحت سوق العرش أربعة     كالثور والنسر والإنسان والأسد
فكل ذي خلقة يدعو لمشبهه     في الخلق بالعيشة المرضية الرغد
[ ص: 390 ] برا السماء بروجا من كواكبها     تجرين من فلك الأفلاك في كبد
منها جوار ومنها راكد أبدا     والقطب في مركز منهن كالوتد
والشهب تحرق فيها يبنين إلى     قذف الشياطين من جناتها المرد
وكل مسترق للسمع يتبعه     منها شهاب نجوم دائم الرصد
ويرفع الغيم إعصارها فترى     فيها الصواعق بين الماء والبرد
على هواء رقيق في لطافته     يحيي به كل ذي روح وذي جسد
وصير الموت فوق الخلق لا لجأ     منه ولا هرب إلى سند
فالموت ميت وكل هالكون خلا     وجه الإله الكريم الدائم الصمد
أفنى القرون وأفنى كل ذي عمر     كعمر نوح ولقمان أخي لبد
يا رب إنك ذو عفو ومغفرة     فنجنا من عذاب الموقف النكد
واجعل إلى جنة الفردوس موئلنا     مع النبيين والأبرار في الخلد
سبحان ربك رب العز من ملك     من اهتدى بهدى رب العالمين هدي



حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ، قال : سمعت الحسن بن علي بن خلف ، يقول : سمعت إسرافيل ، يقول : سمعت ذا النون المصري يقول :


أموت وما ماتت إليك صبابتي     ولا رويت من صدق حبك أوطاري
منادي المنا كل المنا أنت لي منى     وأنت الغنى كل الغنى عند إقصاري
وأنت مدى سؤلي وغاية رغبتي     وموضع شكواي ومكنون إضماري
تحمل قلبي فيك ما لا أبثه     وإن طال سقمي فيك أو طال إضراري
وبين ضلوعي منك ما لولاك قد بدا     ولم يبد باديه لأهلي ولا جاري
وبي منك في الأحشاء داء مخامر     فقد هد مني الركن وأثبت أسراري
ألست دليل الركب إن هم تحيروا     ومنقذ من أشفى على جرف هاري
أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن     من النور في أيديهم عشر معشاري
فنلني بعفو منك أحيا بقربه     وغش بيسر منك فقري وإعساري



حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ، قال : وسمعت الحسن بن علي بن خلف ، يقول : قال لي إسرافيل : أنشدني ذو النون المصري :

[ ص: 391 ]

مجال قلوب العارفين بروضة     سماوية من دونها حجب الرب
معسكرها فيها مجنى ثمارها     تنسم روح الأنس لله من قرب
يكنفها من عالم السر قربه     فلو قدر الآجال ذابت من الحب
وأروى صداها صرف كاسات حبه     وبرد نسيم جل عن منتهى الخطب
فيا لقلوب قربت فتقربت     لذي العرش ممن زين الملك بالقرب
رضاها فأرضاها فحازت مدى الرضى     وحلت من المحبوب بالمنزل الرحب
لها من لطيف الحب عزم سرت به     ويهتك بالأفكار ما داخل الحجب
فإن فقدت خوف الفراق لإلفها     أدامت حنينا تطلب الأنس بالقرب
سرى سرها بين الحبيب وبينها     فأضحى مصونا من سوى الرب في القلب



التالي السابق


الخدمات العلمية