صفحة جزء
[ ص: 116 ] 469 - السري السقطي

ومنهم العلم المنشور ، والحكم المذكور ، شديد الهدى ، حميد السعي ، ذو القلب التقي ، والورع الخفي ، عن نفسه راحل ، ولحكم ربه نازل ، أبو الحسن السري بن المغلس السقطي ، خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه .

أخبرني جعفر بن محمد بن نصير - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت الجنيد بن محمد ، يقول : سمعت السري بن المغلس ، يقول : " لو أحسست بإنسان يريد أن يدخل علي فقلت بلحيتي كذا - وأمر يده على لحيته ، كأنه يريد تسويتها من أجل دخول الداخل - لخفت أن يعذبني الله على ذلك بالنار ، قال : وسمعت السري ، يقول : إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرارا مخافة أن يكون وجهي قد اسود ، قال : وسمعت السري ، يقول : ما أحب أن أموت حيث أعرف ، فقيل له : ولم ذلك يا أبا الحسن ؟ قال : أخاف أن لا يقبلني قبري فأفتضح ، قال : وسمعت السري ، يقول : إن نفسي تنازعني أن أغمس جزرة في دبس منذ ثلاثين سنة فما يمكنني ، قال : وسمعت السري ، يقول : إني أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ، ولا لمخلوق فيها منة ، فما أجد إلى ذلك سبيلا ، قال : وسمعت السري ، يقول : خرجنا يوما من مكة نريد بعض المواضع ، فلما أصحرنا رأيت في مجرى السيل طاقة بقل ، فمددت يدي فأخذتها ، وقلت : الحمد لله ، ورجوت أن تكون حلالا ليس لمخلوق فيها منة ، فقال لي بعض من رآني وقد أخذتها : يا أبا الحسن ، فالتفت ، فإذا مثل تلك الطاقة ، فقال لي : خذ هذا من نائبك ، فقلت له : الطاقة الأولى ليس لأحد فيها منة ، وهذا بدلالتك تريد لك علي فيه منة ، إنما أريد ما ليس لمخلوق فيه منة ، ولا لله فيه تبعة ، قال : وسمعت السري ، يقول : كان أهل الورع في وقت من الأوقات أربعة : حذيفة المرعشي ، وإبراهيم بن أدهم ، ويوسف بن أسباط ، وسليمان الخواص ، فنظروا في الورع ، فلما ضاقت عليهم الأمور فزعوا إلى التقلل ، قال : وسمعت السري ، يقول : كنت بطرسوس ، وكان معي في الدار فتيان [ ص: 117 ] متعبدون ، وكان في الدار تنور يخبزون فيه ، فانكسر التنور ، فعملت لهم بدله من مالي ، فتورعوا أن يختبزوا فيه ، قال : وسمعت السري ، وذكر أن أبا يوسف الغسولي ، كان يلزم الثغر ويغزو ، وكان إذا غزا ودخلوا بلاد الروم أكل أصحابه من طعام الروم وفواكههم ، فيقول أبو يوسف : لا آكل ، فيقال له : تشك أنه حلال ؟ فيقول : لا أشك ، هو حلال ، فيقال له : فكل من الحلال ، فيقول : إنما الزهد في الحلال ، قال : وسمعت السري ، يذم من يأكل بدينه ، ويقول : من النذالة أن يأكل العبد بدينه " .

حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ، ثنا علي بن الحسين بن حرب ، قال : بعث بي أبي إلى السري بشيء من حب السعال - لسعال كان به - فقال لي : كم ثمنه ؟ قلت له : لم يخبرني بشيء ، فقال : اقرأ عليه السلام ، وقل له : " نحن نعلم الناس منذ خمسين سنة أن لا يأكلوا بأديانهم ، ترانا اليوم نأكل بأدياننا ؟

سمعت محمد بن إبراهيم بن محمد ، يقول : سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري الحلبي ، يقول : سمعت سريا السقطي ، ودققت عليه الباب فقام إلى عضادتي الباب ، فسمعته يقول : " اللهم اشغل من شغلني عنك بك ، فكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة من حلب على رجلي ماشيا ذاهبا وجائيا " .

سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني ، يقول : ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حمدان ، ثنا إسماعيل بن عبد الله الشامي ، قال : قال سري السقطي : " خمس من كن فيه فهو شجاع بطل : استقامة على أمر الله ليس فيها روغان ، واجتهاد ليس معه سهو ، وتيقظ ليس معه غفلة ، ومراقبة الله في السر والجهر ليس معه رياء ، ومراقبة الموت بالتأهب " .

سمعت أبا عبد الله ، يقول : ثنا أبو حامد ، ثنا إسماعيل ، قال : قال السري السقطي : " للمريد عشر مقامات : التحبب إلى الله بالنافلة ، والتزين عنده بنصيحة الأمة ، والأنس بكلام الله ، والصبر على أحكامه ، والأثرة لأمره ، والحياء من نظره ، وبذل المجهود في محبوبه ، والرضا بالقلة ، والقناعة بالخمول " .

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا [ ص: 118 ] إسماعيل بن عبد الله الشامي ، قال : قال سري السقطي : " للخائف عشر مقامات : الحزن اللازم ، والهم الغالب ، والخشية المقلقة ، وكثرة البكاء ، والتضرع في الليل والنهار ، والهرب من مواطن الراحة ، وكثرة الوله ، ووجل القلب ، وتنغص العيش ، ومراقبة الكمد " .

سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن حبيش ، يقول : سمعت القاسم بن عبد الله البزاز ، يقول : سمعت سريا السقطي ، يقول : " لو أن رجلا دخل إلى بستان فيه من جميع ما خلق الله من الأشجار ، عليها جميع ما خلق الله من الأطيار ، فخاطبه كل طير منها بلغته ، وقال : السلام عليك يا ولي الله ، فسكنت نفسه إلى ذلك كان في يديها أسيرا " .

حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى ، ثنا أبو العباس السراج ، قال : سمعت إبراهيم بن السري السقطي ، يقول : سمعت أبي يقول : " عجبت لمن غدا وراح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه لا يربح أبدا " .

حدثنا إبراهيم بن محمد ، ثنا أبو العباس السراج ، قال : سمعت ابن السري ، يقول : سمعت أبي يقول : " لو أشفقت هذه النفوس على أبدانها شفقتها على أولادها للاقت السرور في معادها " .

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ، يقول : سمعت أبا القاسم المطرز ، يقول : سمعت الجنيد بن محمد ، يقول : سمعت السري بن المغلس ، يقول : " وددت أن حزن الخلق كلهم ألقي علي " .

سمعت أبي ، يقول : سمعت أحمد ، يقول : سمعت أبا القاسم ، يقول : سمعت الجنيد ، يقول : سمعت السري ، يقول : " إن في النفس لشغلا عن الناس " .

حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن ، ثنا عباس بن يوسف الشكلي ، ثنا محمد بن إسحاق الأسلمي ، قال : سمعت السري ، يقول : " المغبون من فنيت أيامه بالتسويف ، والمغبون من تمنى الصالحون مقامه " .

حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ، ثنا علي بن الحسين بن حرب القاضي - إملاء - قال : سمعت السري ، يقول : سئل حكيم من الحكماء : متى يكون [ ص: 119 ] العالم مسيئا ؟ قال : " إذا كثر بقباقه ، وانتشرت كتبه ، وغضب أن يرد عليه شيء من قوله ، هذا أو معناه " .

أخبرنا جعفر - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت الجنيد بن محمد ، يقول : بعثني السري يوما في حاجة ، فأبطأت عليه ، فلما جئت قال لي : إذا بعث بك رجل يتكلم في موارد القلوب في حاجة فلا تبطئ عليه ، فإنك تشغل قلبه ، قال : وسمعت السري ، يقول : احذر أن تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا . وسمعته يقول : سمعت أبا جعفر السماك - وكان شيخا شديد العزلة - فرأى عندي جماعة قد اجتمعوا حولي ، فوقف ولم يقعد ، ثم نظر إلي ، فقال لي : أبا الحسن ، صرت مناخا للبطالين ، فرجع ولم يقعد ، وكره إلي اجتماعهم حولي ، قال : وسمعت السري ، يقول : إني أعرف طريقا يؤدي إلى الجنة قصدا ، فقيل له : ما هو يا أبا الحسن ؟ فقال : أن تشتغل بالعبادة وتقبل عليها وحدها حتى لا يكون فيك فضل ، قال : وسمعت السري ، يقول : أعرف طريقا مختصرا يؤديكم إلى الجنة ، فقلت : ما هو ؟ قال : لا تأخذ من أحد شيئا ، ولا تسل أحدا شيئا ، ولا يكن معك ما تعطي منه أحدا شيئا ، قال : وسمعت السري ، يقول : رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل ، قال : وكان إذا أراد أن يفيدني سألني ، فقال لي يوما : ما الشكر ؟ فقلت : أن لا يعصى في نعمة ، فقال : ما أحسن ما أجبت ، ما أحسن ما تقول ، قال الجنيد : وهذا هو فرض الشكر ، أن لا يعصى في نعمة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية