صفحة جزء
561 - عمرو النيسابوري

ومنهم أبو حفص عمرو بن سلمة النيسابوري ، وقيل عمر . كان أحد المتحققين له الفتوة الكاملة والمروءة الشاملة تخرج به عامة الأعلام النيسابوريين ، منهم أبو عثمان النيسابوري ، وشاه الكرماني ، صحب عبيد الله الأباوردي ، وكان من رفقاء أحمد بن خضرويه المروزي ، توفي سنة سبع ، وقيل : أربع وستين ومائتين .

سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : سمعت أبي يقول : قال أبو حفص : المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت ، قال : وكان لا يذكر الله إلا على الحضور وتعظيم الحرمة ، فإذا ذكر الله عز وجل تغير عليه حاله فإذا رجع قال : ما أبعد ذكرنا عن ذكر المحققين ، فما أظن أن من ذكر الله عز وجل حاضرا من غير غفلة يبقى بعد ذكره حيا إلا الأنبياء ، فإنهم مؤيدون [ ص: 230 ] بقوة النبوة ، وخواص الأولياء مؤيدون بقوة الولاية .

سمعت أبا بكر بن حمدان يقول : كان أبو حفص حدادا فكان غلامه يوما ينفخ عليه الكير ، فأدخل يده في النار وأخرج الحديد من النار فغشي على غلامه ، وترك أبو حفص الحانوت وأقبل على أمره .

سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا حفص يقول : تركت العمل فرجعت إليه وتركني العمل فلم أرجع إليه .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا علي الثقفي يقول : كان أبو حفص يقول : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ، ولم يتهم خواطره ، فلا تعده في ديوان الرجال ، وكان يقول : من نعت الفقير الصادق أن يكون في كل وقت بحكمه ، فإذا ورد عليه وارد يشغله عن حكم وقته يستوحش منه وينفيه .

سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت عبد الرحمن بن الحسين يقول : اجتمع مشايخ بغداد عند أبي حفص وسألوه عن الفتوة ، فقال : تكلموا أنتم فإن لكم العبارة واللسان ، فقال الجنيد : الفتوة إسقاط الرؤية وترك النسبة ، فقال أبو حفص : ما أحسن ما قلت ، ولكن الفتوة عندي أداء الإنصاف وترك مطالبة الإنصاف ، فقال الجنيد : قوموا يا أصحابنا فقد زاد أبو حفص على آدم وذريته ، قال : وكان أبو حفص يقول : من إهانة الدنيا أني لا أبخل بها على أحد ولا أبخل بها على نفسي ; لاحتقارها واحتقار نفسي عندي .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا أحمد بن عيسى يقول : سمعت أبا حفص يقول : الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها ، والإقبال على الله لاحتياجك إليه .

وقال أبو حفص الحداد : حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " . وسئل أبو حفص : من الرجال ؟ فقال : القائمون مع الله بوفاء العهود ، قال الله تعالى : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) . وسئل أبو حفص عن العبودية ، فقال : ترك ما لك والتزام ما أمرت به .

التالي السابق


الخدمات العلمية