صفحة جزء
564- محمد بن علي الترمذي

ومنهم أبو عبد الله الترمذي ، محمد بن علي بن الحسن ، صحب أبا تراب النخشبي ولقي يحيى بن الجلاء ، له التصانيف المشهورة ، كتب الحديث ، مستقيم الطريقة ، يرد على المرجئة وغيرها من المخالفين ، تابع للآثار .

حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني ، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : [ ص: 234 ] حدثني أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي قال : نور المعرفة في القلب ، وإشراقه في عيني الفؤاد في الصدر ، فبذكر الله يرطب القلب ويلين ، وبذكر الشهوات واللذات يقسو القلب وييبس ، فإذا شغل القلب عن ذكر الله بذكر الشهوات كان بمنزلة شجرة ، إنما رطوبتها ولينها من الماء فإذا منعت الماء يبست عروقها وذبلت أغصانها وإذا منعت السقي وأصابها حر القيظ يبست الأغصان ، فإذا مددت غصنا منها انكسر فلا يصلح إلا للقطع فيصير وقود النار ، فكذلك القلب إذا يبس وخلا من ذكر الله فأصابته حرارة النفس ونار الشهوة وامتنعت الأركان من الطاعة ، فإذا مددتها انكسرت فلا تصلح إلا أن تكون حطبا للنار ، وإنما يرطب القلب بالرحمة ، وما من نور في القلب إلا ومعه رحمة من الله بقدر ذلك ، فهذا هو الأصل ، والعبد ما دام في الذكر فالرحمة دائمة عليه كالمطر ، فإذا قحط فالصدر في ذلك الوقت كالسنة الجدباء اليابسة ، وحريق الشهوات فيها كالسمائم والأركان معطلة عن أعمال البر ، فدعا الله الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم وهيأ لهم فيها ألوان العبادة لينال العبد من كل قول وفعل شيئا من عطاياه ، والأفعال كالأطعمة والأقوال كالأشربة ، فهي عرس الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتى لا يبقى عليهم دنس ولا غبار ، فإن الله اختار الموحدين ليباهي بهم يوم الجمع الأكبر في تلك العرصات الملائكة ; لأن آدم وولده ظهر خلقهم من يده بالمحبة والملائكة ظهر خلقهم من القدرة بقوله : كن فكان ، فمن محبته للآدميين يفرح بتوبتهم ، خلقهم والشهوات والشياطين في دار الابتلاء ليباهي بهم في ذلك الجمع ويقول : يا معشر ملائكتي إن محاسنكم خرجت منكم ومن النور خلقتكم وأنتم في أعالي المملكة تعاينون عظمتي وحجتي وسلطاني وقد عريتم من الشهوات والشياطين ، والآدميون خرجت منهم هذه المحاسن من نفوسهم الشهوانية والشياطين قد أحاطت بهم في أداني المملكة ، ومن التراب خلقتهم فلذلك استوجبوا مني داري وجواري .

سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت منصور بن عبد الله [ ص: 235 ] يقول : قال محمد بن علي الترمذي : كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره .

وقال محمد : ليس في الدنيا حمل أثقل من البر ; لأن من برك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت الحسن بن علي يقول : سمعت محمد بن علي الترمذي يقول : من جهل أوصاف العبودية فهو بنعوت الربوبية أجهل . وقال : الدنيا عروس الملوك ومرآة الزهاد ، أما الملوك فتجملوا بها وأما الزهاد فنظروا إليها وأبصروا آفتها فتركوها .

قال : وسئل محمد بن علي عن الخلق ، فقال : ضعف ظاهر ودعوى عريضة . وقال : اجعل مراقبتك لمن لا يغيب نظره إليك ، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه .

أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى ، ثنا يحيى بن منصور القاضي ، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي ، ثنا محمد بن رزام الأبلي ، ثنا محمد بن عطاء ، عن الهجيمي ، ثنا محمد بن نصر ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( رب أرني أنظر إليك ) قال : " يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ولا رطب إلا تفرق ، إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسامهم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية