صفحة جزء
566 - شاه الكرماني

ومنهم أبو الفوارس الكرماني شاه بن شجاع ، تعرى من الأغراض تحرزا من الأعراض ، كان من أبناء الملوك وتشمر للسلوك ، تخفف للاستباق متحققا بالاشتياق ، صحب أبا تراب النخشبي وأبا عبيد البسري ، كان ظريفا في الفتوة عريفا في المروءة .

سمعت أبا الفضل الصرام الهروي يقول : سمعت أبا عمرو بن نجيد يقول : قال شاه الكرماني : شغل العارف بثلاثة أشياء : بالنظر إلى معبوده مستأنسا به ملاحظا لمنته وفوائده ، شاكرا له معترفا به ، ومنيبا تائبا إليه .

سمعت محمد بن موسى يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت أبا علي الأنصاري يقول : قال شاه الكرماني : من عرف ربه طمع في عفوه ورجا فضله ، وقال : الفتوة من طباع الأحرار واللؤم من شيم الأنذال ، وما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى أولياء الله بما يحبون ; لأن محبة أولياء الله دليل على محبة الله .

سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت جدي أبا عمرو بن نجيد يقول : كان شاه الكرماني بن شجاع حاد الفراسة ، وقلما أخطأت فراسته ، وكان يقول : من شخص بصره عن المحارم وأمسك عن الشهوات ، وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة ، وعود نفسه أكل الحلال ، لم تخطئ فراسته . قال : وكان يقول : من نظر إلى الخلق بعينه طالت خصومته معهم ، ومن نظر إليهم بعين الله عذرهم فيما هم فيه ، وقل اشتغاله بهم .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول : سمعت محفوظا يقول : كان شاه يأمر أصحابه أن يظهروا له ما يجري على سرهم ، ثم كان يداوي كل واحد منهم بدوائه ، ويقول : ليس بعاقل من كتم الطبيب علته .

[ ص: 238 ] سمعت أحمد بن أبي عمران الهروي يقول : سمعت ابن النجيد يقول : قال شاه الكرماني : من صحبك ووافقك على ما تحب وخالفك فيما يكره ، فإنما يصحب هواه ، ومن صحب هواه فهو يطلب راحة الدنيا .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا عمرو بن نجيد يقول : قال شاه الكرماني : علامة الركون إلى الباطل التقرب إلى المبطلين .

سمعت محمد بن موسى يقول : سمعت الحسين الفارسي يقول : سمعت أبا علي الأنصاري يقول : سمعت شاه بن شجاع يقول : الفضل لأهل الفضل ما لم يروه ، فإذا رأوه فلا فضل لهم ، والولاية لأهل الولاية ما لم يروها ، فإذا رأوها فلا ولاية لهم . وقال : المعجب بنفسه محجوب عن ربه .

ذكر لي أبو عامر عبد الوهاب بن محمد عن أبي عبد الله محمد بن أحمد قال : كنت عند سهل بن عبد الله جالسا ، فسقطت بيننا حمامة ، فجعلت أنحيها ، فقال سهل : أطعمها واسقها ، فقمت ففتت لها خبزا ووضعت لها ماء فلقطت الخبز وسقطت على الماء فشربت ومضت طائرة ، فقلت لسهل : أي شيء هذا الطير ؟ فقال لي : يا أبا عبد الله ، مات أخي بكرمان فجاءت هذه تعزيني به . قال أبو عبد الله : وأظنه ذكر شاه بن شجاع وكان من الأبدال . فكتبت تاريخ اليوم والوقت ، فقدم قوم من أهل كرمان فعزونا فيه ، وذكروا أنه مات في اليوم والوقت الذي سقطت عندنا الحمامة .

وأنشد أبو عامر قال : أنشدني عبد الله الأقرقوهي لشاه بن شجاع :


والله ما الله يبدو لكم وبكم والله والله ما هذا هو الله     فهذه أحرف تبدو لكم وبكم
إذا تمعنت معناها هو الله

.

التالي السابق


الخدمات العلمية