صفحة جزء
568 - سعيد بن إسماعيل

ومنهم العارف الفاصح والعابد الناصح ، كان بالحكم منطيقا فصيحا وللمريدين شفيقا نصيحا ، علمهم الآداب الرفيعة ونبههم على ملازمة الشريعة ، كان إلى موافقة الحق مجذوبا وعن حظوظ النفس مطهرا مسلوبا ، أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد الحيري ، رازي المولد ، خرج زائرا إلى أبي حفص النيسابوري مع شيخه شاه الكرماني فقبله أبو حفص وحبسه عنده وصار له سكنا وعلى ابنته ختنا ، كان حميد الأخلاق مديد الأرفاق بقيت بركته وآثاره على أهل نيسابور ، وتوفي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين فيما ذكره لي أبو عمرو بن حمدان ، وأنه حضر الصلاة عليه ودفن بمقبرة الحيرة عند قبر أستاذه أبي حفص النيسابوري وزرت قبريهما سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة .

سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : سمعت أبا عثمان الحيري يقول : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لقوله تعالى : ( وإن تطيعوه تهتدوا ) .

سمعت عبد الله بن محمد المعلم ، صاحب الخان يقول : سمعت أبا عمر بن نجيد يقول : قال محمد بن الفضل البلخي : إن الله تعالى زين أبا عثمان بفنون عبوديته وأبرزه للناس ليعلمهم آداب العبودية .

سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت جدي أبا عمر بن نجيد يقول : سمعت أبا عثمان يقول : منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته .

سمعت محمد بن أحمد بن عثمان يقول : سمعت أبا عثمان يقول : موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم .

سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : قرأت بخط أبي أحمد بن حمدان : سمعت أبا عثمان يقول : صلاح القلب من أربع خصال : التواضع لله ، والفقر إلى الله ، والخوف من الله ، والرجاء لله .

قال : وسمعت أبا عثمان يقول : لا يكمل [ ص: 245 ] الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة أشياء : في المنع والعطاء والعز والذل .

قال : وسمعت أبا عثمان يقول : أصل العداوة من ثلاثة أشياء : من الطمع في المال ، والطمع في إكرام الناس ، والطمع في قبول الناس .

قال : وسمعت أبا عثمان يقول : الخوف من الله يوصلك إلى الله والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله ، واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى .

وقال أبو عثمان : سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله عن قلبك ، وخوفك من غير الله أذهب خوفك من الله عن قلبك ، ورجاؤك ممن دونه أذهب رجاءك له عن قلبك .

وقال أبو عثمان : حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذل نفسه بالمعصية .

وقال أبو عثمان : أصل التعلق بالخيرات قصور الأمل .

وقال أبو عثمان : أنت مسجون ما تبعت مرادك وشهوتك ، فإذا فوضت وسلمت استرحت .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت عبد الله الرازي يقول : لما تغير الحال على أبي عثمان وقت وفاته مزق ابنه أبو بكر قميصا كان عليه ، ففتح أبو عثمان عينيه وقال : يا بني خلاف السنة في الظاهر رياء باطن في القلب .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن أحمد الملامتي يقول : سمعت الحسين الوراق يقول : سألت أبا عثمان عن الصحبة ، فقال : الصحبة مع الله عز وجل بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة ، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ولزوم ظاهر العلم ، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والحرمة ، والصحبة مع الأهل والولد بحسن الخلق ، والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والانبساط ما لم يكن إثما ، والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ، ورؤية نعمة الله عليك أن عافاك مما ابتلاهم به .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت محمد بن أحمد بن يوسف يقول : سمعت أبا عثمان يقول : تعززوا بعز الله كي لا تذلوا .

وقال أبو عثمان : العاقل من تأهب للمخاوف قبل وقوعها ، والتفويض بما جهلت علمه إلى عالمه ، والتفويض مقدمة للرضا ، والرضا باب الله [ ص: 246 ] الأعظم ، والذكر الكثير أن تذكره في ذكرك له أنك لم تصل إلى ذكره إلا به وبفضله .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول : سمعت أبا الحسين الوراق يقول : سئل أبو عثمان : كيف يستجيز العاقل أن يزيل اللائمة عمن يظلمه ؟ قال : ليعلم أن الله سلطه عليه .

وقال محفوظ : سئل أبو عثمان : ما علامة السعادة والشقاوة ؟ فقال : علامة السعادة أن تطيع الله وتخاف أن تكون مردودا ، وعلامة الشقاوة أن تعصي الله وترجو أن تكون مقبولا .

أسند الحديث ، فمن مسانيد حديثه : أخبرنا محمد بن الحسين ، ثنا سعيد بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل قال : وجدت في كتاب جدي أبي عثمان بخطه : حدثني أبو صالح حمدون القصار صاحب أبي محمد بن يحيى النيسابوري ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عبثر ، عن أشعث ، عن محمد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات وعليه صوم شهر رمضان أطعم عنه وليه كل يوم مسكينا " .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبدان بن محمد المروزي ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عبثر بن القاسم ، عن أشعث بن سوار ، عن محمد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر يوما من رمضان فمات قبل أن يقضيه فعليه بكل يوم مد لمسكين " . قال سليمان : لم يروه عن أشعث ، إلا عبثر ، ومحمد الذي يروي عنه أشعث هذا الحديث : محمد بن سيرين ، وقيل : محمد بن أبي ليلى .

التالي السابق


الخدمات العلمية