صفحة جزء
585 - أبو عبد الله الجلاء

وأما أبو عبد الله الجلاء أحمد بن يحيى فهو بغدادي سكن الرملة ، صحب ذا النون وأبا تراب وأباه يحيى الجلاء ، له النكت اللطيفة ، أحد أئمة القوم ، لم يكن بالشام في حاله له شبيه مذكور ، تخرج به جماعة من المذكورين .

سمعت والدي يذكر عن بعض أصحابه أنه كان يقول : يحتاج العبد أن يكون له شيء يعرف به كل شيء ، وكان يقول : من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد ، ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد ، ومن رأى الأفعال كلها من الله فهو موحد .

سمعت محمد بن الحسن بن علي اليقطيني يقول : حضرت أبا عبد الله فقيل له : هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا عدة ولا زاد يزعمون أنهم متوكلة فيموتون ؟ قال : هذا فعل رجال الحق ، فإن ماتوا فالدية على القاتل .

سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت أحمد بن علي يقول : سئل أبو عبد الله الجلاء عن الحق ، فقال : إذا كان الحق واحدا يجب أن يكون طالبه واحداني الذات ، وقال : سمت همم المريدين إلى طلب الطريق إليه فأفنوا نفوسهم في الطلب . وسمت همم العارفين إلى مولاهم فلم تعطف على شيء سواه .

سمعت محمد بن الحسين ، يقول : سمعت محمد بن عبد الله الرازي ، يقول : سمعت أبا عمرو الدمشقي ، يقول : سمعت أبا عبد الله الجلاء ، يقول : " الحق استصحب أقواما للكلام واستصحب أقواما للخلة ، فمن استصحبه الحق لمعنى ابتلاه [ ص: 315 ] بأنواع المحن فليحذر أحدكم طلب رتبة الأكابر ، وكان يقول : من بلغ بنفسه إلى رتبة سقط عنها ، ومن بلغ به ثبت عليها ، وكان إذا سئل عن المحبة ، قال : ما لي وللمحبة ؟ أنا أريد أن أتعلم التوبة ، وسئل : كيف تكون ليالي الأحباب ؟ فأنشأ يقول :


من لم يبت والحب حشو فؤاده لم يدر كيف تفتت الأكباد



حدثنا محمد بن الحسين قال : سمعت محمد بن عبد العزيز الطبري ، يقول : سمعت أبا عمرو الدمشقي ، يقول : سمعت ابن الجلاء ، يقول : " قلت لأبي وأمي : أحب أن تهباني لله ، قالا : قد وهبناك لله ، فغبت عنهما مدة فرجعت من غيبتي وكانت ليلة مطيرة ، فدققت عليهما الباب ، فقالا : من ؟ قلت : ولدكما ، قالا : كان لنا ولد فوهبناه لله ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبنا ، وما فتحا لي الباب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية