صفحة جزء
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا جعفر الفريابي . وحدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن أنس بن مالك ، قالا : ثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : دخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده ، فجلست إليه ، فقال : أبا ذر إن للمسجد تحية ، وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما قال : فقمت فركعتهما ثم عدت فجلست إليه ، فقلت : يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة ؟ قال : خير موضوع استكثر أو استقل . قلت : يا رسول الله فأي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان بالله عز وجل ، وجهاد في سبيله قال : قلت : يا رسول الله فأي المؤمنين أكملهم إيمانا ؟ قال : أحسنهم خلقا . قال : قلت : يا رسول الله فأي المؤمنين أسلم ؟ قال : من سلم الناس من لسانه ويده . قال : قلت : يا رسول الله فأي الهجرة أفضل ؟ قال : من هجر السيئات . قال : قلت : يا رسول الله فأي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت . قال : قلت : يا رسول الله فما الصيام ؟ قال : فرض مجزي ، وعند الله أضعاف كثيرة قال : قلت : يا رسول الله فأي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه . قال : قلت : يا رسول الله فأي الرقاب أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند ربها . قال : قلت : يا رسول الله فأي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد من مقل يسر إلى فقير ، قلت : يا رسول الله فأي آية مما أنزل الله عز وجل [ ص: 167 ] عليك أعظم قال : آية الكرسي . ثم قال : يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ، قلت : يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : مائة ألف ، وأربعة وعشرون ألفا ، قلت : يا رسول الله كم الرسل ؟ قال : ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا ، قلت : كثير طيب ، قلت : يا رسول الله من كان أولهم ؟ قال : آدم ، قلت : يا رسول الله أنبي مرسل ؟ قال : نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، ثم سواه قبلا . وقال أحمد بن أنس ثم كلمه قبلا . ثم قال : يا أبا ذر أربعة سريانيون ، آدم ، وشيث ، وخنوخ - وهو إدريس ، وهم أول من خط بالقلم - ونوح . وأربعة من العرب ، هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر ، قال : قلت : يا رسول الله كم كتاب أنزله الله تعالى ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على شيث خمسون صحيفة ، وأنزل على خنوخ ثلاثون صحيفة ، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قال : قلت : يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالا كلها ، أيها الملك المسلط المبتلى المغرور ، فإني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر . وكان فيها أمثال : على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه عز وجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل ، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . قلت : يا رسول الله فما كان صحف موسى عليه السلام ؟ قال : كانت عبرا كلها ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار وهو يضحك ، عجبت لمن أيقن للقدر ثم هو [ ص: 168 ] ينصب ، عجبت لمن رأى الدنيا ، وتقلبها ثم اطمأن إليها ، عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ، ثم لا يعمل . قلت يا رسول الله : أوصني ، قال : أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله . قلت : يا رسول الله زدني ، قال : عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض ، وذكر لك في السماء ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك . قلت : يا رسول الله زدني ، قال : عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي ، قلت : يا رسول الله زدني . قال : حب المساكين وجالسهم ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك . قلت : زدني يا رسول الله قال : صل قرابتك وإن قطعوك ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : لا تخف في الله تعالى لومة لائم . قلت : يا رسول الله زدني ، قال : قل الحق وإن كان مرا . قلت : يا رسول الله زدني ، قال : يردك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى به عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك ، أو تجد عليهم فيما تأتي ، ثم ضرب بيده على صدري ، فقال : يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق . السياق للحسن بن سفيان .

ورواه المختار بن غسان ، عن إسماعيل بن سلمة ، عن أبي إدريس . ورواه علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن أبي ذر . ورواه عبيد بن الحسحاس ، عن أبي ذر . ورواه معاوية بن صالح ، عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب ، عن ابن عائذ ، عن أبي ذر بطوله . ورواه ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي ذر بطوله . تفرد به عنه يحيى بن سعيد العبشمي .

حدثناه عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن العباس بن أيوب ، ثنا محمد بن مرزوق ، ثنا يحيى بن سعيد العبشمي - من بني سعد بن تيم - ثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه ، قال : [ ص: 169 ] دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس ، فاغتنمت خلوته . ثم ذكر مثله وزاد ، قلت : يا رسول الله هل لي في الدنيا شيء مما أنزل الله عليك مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : يا أبا ذر اقرأ : ( قد أفلح من تزكى ) . إلى آخر السورة .

قال الشيخ رحمه الله تعالى : وكان أبو ذر رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وسلم ملازما وجليسا ، وعلى مساءلته والاقتباس منه حريصا ، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا . سأله عن الأصول والفروع ، وسأله عن الإيمان والإحسان ، وسأله عن رؤية ربه تعالى ، وسأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى ، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم تبقى ، وسأله عن كل شيء حتى عن مس الحصا في الصلاة .

حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا محمد بن خالد بن عبد الله ، ثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي ذر ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصا . فقال : مسه مرة أو دع .

قال الشيخ رحمه الله : تخلى من الدنيا ، وتشمر للعقبى ، وعانق البلوى ، إلى أن لحق بالمولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية