صفحة جزء
615 - أبو أحمد القلانسي

ومنهم الحفي المؤانسي أبو أحمد القلانسي ، كان ذا فتوة كاملة ومروءة شاملة .

أخبرنا عبد المنعم بن عمر - فيما قرأت عليه - قال : سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول : سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : قال منبه البصري : سافرت مع أبي أحمد القلانسي فجعنا جوعا شديدا ففتح علينا بطعام فآثرني به ، وكان معنا سويق فقال لي كالمازح : تكون جملي ؟ فقلت : نعم ، فكان يؤجرني ذلك السويق يحتال بذلك ليوصله إلي ويؤثرني على نفسه .

وروي عن أبي أحمد قال : دخلت على قوم من الفقراء بالبصرة فأكرموني فقلت لبعضهم ليلة : أين إزاري ؟ فسقطت من أعينهم " .

وقيل لأبي أحمد القلانسي : علام بنيت المذهب ؟ قال : على ثلاث خصال : لا نطالب أحدا من الناس بواجب حقنا ، ونطالب أنفسنا بحقوق الناس ، ونلزم التقصير أنفسنا في جميع ما نأتي ، وكان من دعائه لإخوانه : لا جعلنا الله وإياكم ممن يكون حظه الأسى والأسف على مفارقة الدنيا ، وجعل أحب الأوقات إلينا وإليكم يوم اللقاء الذي يكون فيه دوام البقاء . وكان يقول : العبد مأخوذ عليه أن يراعي ظاهر أعماله وباطنها ، فظاهرها بذل المجهود وخلع الراحة واحتمال مكاره النفس ، والزهد في فضول الدنيا ، وباطن الأعمال التقوى والورع الصادق والصدق والصبر [ ص: 342 ] والرضا والتوكل والمحبة له وفيه ، والإيثار له وإجلال مقامه ، والحياء منه وحسن موافقته وإعزاز أمره ، فهذه الأعمال الظاهرة والباطنة مطايا العابدين ونجائبهم ، وعليها يسيرون إلى الله ويسابقون بها إلى ثوابه ، وينزلون بها في قربه .

التالي السابق


الخدمات العلمية