صفحة جزء
[ ص: 349 ] 626 - ابن الفرغاني

ومنهم الواسطي محمد بن موسى أبو بكر المعروف بابن الفرغاني ، صحب الجنيد والنوري ، وانتقل إلى خراسان ، سكن مرو ، عالم بالأصول والفروع ، ألفاظه بديعة ، وإشاراته رفيعة كان يقول : ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ، ولا أخلاق الجاهلية ، ولا أحلام ذوي المروءة .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن عبد الله الواعظ يقول : سمعت أبا بكر محمد بن موسى بن الفرغاني الواسطي بمرو يقول : شاهد بمشاهدة الحق إياك ، ولا تشهده بمشاهدتك له ، قال : وسمعته يقول : الأسر على وجوه : أسير نفسه وشهوته ، وأسير شيطانه وهواه ، وأسير ما لا معنى له لحظه أو لفظه هم الفساق ، وما دام للشواهد على الأسرار أثر وللأعراض على القلب خطر فهو محجوب بعيد من عين الحقيقة ، ما تورع المتورعون ولا تزهد المتزهدون إلا لعظم الأعراض في سرائرهم ، فمن أعرض عنها أدبا ، أو تورع عنها ظرفا ، فذلك الصادق في ورعه ، والحكيم في آدابه ، وقال : أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه عنه ، وقال : الحب يوجب شوقا ، والشوق يوجب أنسا ، فمن فقد الشوق والأنس فليعلم أنه غير محب .

سمعت محمد بن موسى يقول : سمعت عبد الواحد بن علي السياري يقول : سمعت خالي أبا العباس السياري يقول : سمعت أبا بكر الواسطي يقول : كائنات محتومة بأسباب معروفة ، وأوقات معلومة ، اعتراض السريرة لها رعونة .

قال : وسمعت الواسطي يقول : الرضا والسخط نعتان من نعوت الحق يجريان على الأبد بما جريا في الأزل ، يظهران الوسمين على المقبولين والمطرودين ، فقد بانت شواهد المقبولين بضيائها عليهم كما بانت شواهد المطرودين بظلمتها عليهم ، فأنى تنفع مع ذلك الألوان المصفرة ، والأكمام المقصرة ، والأقدام المنتفخة ، وقال : كيف يرى للفضل فضلا من لا يأمن أن يكون ذلك مكرا .

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا عبد الله الحضرمي يقول : سمعت أبا العباس السياري يقول : سمعت أبا بكر الواسطي يقول : الذاكرون في ذكره [ ص: 350 ] أكثر غفلة من الناسين لذكره ، لأن ذكره سواه ، وكان يقول : مطالعة الأعواض على الطاعات من نسيان الفضل ، وحياة القلوب بالله ، بل بإبقاء القلوب مع الله ، بل الغيبة عن الله بالله .

قال : وسمعت أبا أحمد الحسنوني يقول : قال أبو بكر الواسطي : الناس على ثلاث طبقات : الطبقة الأولى من الله عليهم بأنوار الهداية ، فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاق ، والطبقة الثانية من الله عليهم بأنوار العناية فهم معصومون عن الكبائر والصغائر ، والطبقة الثالثة من الله عليهم بالكفاية ، فهم معصومون عن الخواطر الفاسدة ، وحركات أهل الغفلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية