635 - 
أبو عبد الله بن بكر  
ومنهم 
الصبيحي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن بكر  
له العقل الرصين ، والكلام الواضح المبين ، وصحبه والدي 
بالبصرة  قبل انتقاله إلى 
السوس  ، له المصنفات في أحوال القوم بعبارات لطيفة وإشارات بديعة ، وبلغني أنه لزم 
سريا  في داره 
بالبصرة  ثلاثين سنة متعبدا فيها ، وكان يقول : 
النظر في عواقب الأمور من أحوال العاجزين ، والهجوم على الموارد من أحوال السائرين ، والخمود بالرضا تحت موارد القضاء من أفعال العارفين ، وسئل عن أصول الدين ، فقال : 
إثبات صدق الافتقار إلى الله  [ ص: 355 ] ولزوم الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفروعه أربعة أشياء : الوفاء بالعهود ، وحفظ الحدود ، والرضا بالموجود ، والصبر عن المفقود ، وكان يقول : الربوبية سبقت العبودية ، وبالربوبية ظهرت العبودية ، وتمام وفاء العبودية مشاهدة الربوبية ، وكان يقول : ابتلى الخلائق بأسرهم بالدعاوى العريضة في المغيب ، فإذا أظلتهم هيبة المشهد خرسوا وانقمعوا ، وصاروا لا شيء ، ولو صدقوا في دعاويهم لبرزوا عند المشاهدة ، كما برز المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وتقدم الخلائق بقدم الصدق حين طلب إليه الشفاعة ، فقال : أنا لها . لم ترعه هيبة الموقف لما كان عليه من قدم الصدق ، وما أشبه هذه الدعاوى الباطلة إلا بقول بعضهم حيث يقول : 
ينوي العتاب له من قبل رؤيته فإن رآه فدمع العين مسكوب     لا يستطيع الكلام حين يبصره 
كل اللسان وفي الأحشاء تلهيب 
وليس يخرس الألسنة في المشاهدة إلا بعدها من الصدق ، فمن صدق في المحبة تكلم عنه الضمير إذا سكت عن النطق باللسان .