صفحة جزء
حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا الحسين بن علي بن الوليد الفسوي ، ثنا أحمد بن حاتم ، ثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي ، ثنا عبيد المكتب ، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة ، حدثني سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال : كنت رجلا من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي : إن الدين الذي تطلب إنما هو قبل المغرب ، فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل ، فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة - أو في صومعة - فأتيته ، فقلت : إني رجل من المشرق ، وقد جئت في طلب الخير ، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك وتعلمني مما علمك الله ؟ قال : نعم ، فصحبته فأجرى علي مثل الذي يجرى عليه من الحبوب والخل والزيت ، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه ، ثم نزل به الموت ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي . قال : ما يبكيك ؟ قلت : انقطعت من بلادي في طلب [ ص: 191 ] الخير ، فرزقني الله تعالى صحبتك ، فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله ، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أذهب ؟ قال : بلى ، أخ لي بمكان كذا وكذا فائته فاقرأه مني السلام وأخبره أني أوصيت بك إليه واصحبه ، فإنه على الحق ، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي ، قلت : إن أخاك فلانا يقرئك السلام ، قال : وعليه السلام ، ما فعل ؟ قلت : هلك ، وقصصت عليه قصتي ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته ، فقبلني وأحسن صحبتي ، وأجرى علي مثل ما كان يجرى علي عند الآخر ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : أقبلت من بلادي فرزقني الله تعالى صحبة فلان فأحسن صحبتي ، وعلمني مما علمه الله ، فلما نزل به الموت أوصى بي إليك ، فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله ، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه ؟ قال : بلى ، أخ لي على درب الروم ، ائته فاقرأه مني السلام وأخبره أني أمرتك بصحبته فاصحبه فإنه على الحق ، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي ، فقلت : إن أخاك فلانا يقرئك السلام ، قال : وعليه السلام ، ما فعل ؟ قلت : هلك ، وقصصت عليه قصتي وأخبرته أنه أمرني بصحبتك فقبلني ، وأحسن صحبتي ، وعلمني مما علمه الله عز وجل . فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت : رزقني الله عز وجل صحبتك وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب ؟ قال : لا أين ، إنه لم يبق على دين عيسى ابن مريم عليه السلام أحد من الناس أعرفه ، ولكن هذا أوان - أو إبان - نبي يخرج - أو قد خرج - بأرض تهامة ، فالزم قبتي ، وسل من مر بك من التجار - وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم - وسل من قدم عليك من أهل الحجاز هل خرج فيكم أحد يتنبأ ، فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام ، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، قال : فقبض الرجل ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته من أي بلاد أنتم ، حتى مر بي ناس من أهل مكة فسألتهم من أي بلاد أنتم ؟ قالوا : من الحجاز ، فقلت : هل خرج فيكم أحد يزعم أنه نبي ؟ قالوا : نعم ، قلت : هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن يحملني [ ص: 192 ] عقبه ويطعمني الكسرة حتى يقدم بي مكة ، فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك ، قال رجل من القوم : أنا ، فصرت عبدا له فجعل يحملني عقبه ، ويطعمني من الكسرة حتى قدمت مكة ، فلما قدمت مكة جعلني في بستان له مع حبشان ، فخرجت خرجة فطفت مكة ، فإذا امرأة من أهل بلادي ، فسألتها وكلمتها فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم ، وسألتها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يجلس في الحجر - إذا صاح عصفور مكة - مع أصحابه حتى إذا أضاء له الفجر تفرقوا . قال : فجلست أختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي ، قالوا : ما لك ؟ قلت : أشتكي بطني ، فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه ، فجئته من خلفه صلى الله عليه وسلم فعرف الذي أريد ، فأرسل حبوته فسقطت ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، قلت في نفسي : الله أكبر ، هذه واحدة ، فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثل ما صنعت في الليلة التي قبلها لا ينكرني أصحابي ، فجمعت شيئا من تمر ، فلما كانت الساعة التي يجلس فيها النبي صلى الله عليه وسلم أتيته ، فوضعت التمر بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : صدقة ، قال : لأصحابه : كلوا ولم يمد يديه . قال : قلت في نفسي : الله أكبر ، هذه ثنتان ، فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئا من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه ، قال : ما هذا ؟ قلت : هدية ، فأكل وأكل القوم ، قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصتي فأخبرته . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق فاشتر نفسك ، فأتيت صاحبي فقلت : بعني نفسي . قال : نعم ، أبيعك نفسك بأن تغرس لي مائة نخلة إذا أنبتت وتبين ثباتها ، أو نبتت وتبين نباتها ، جئتني بوزن نواة من ذهب . فأتيت النبي [ ص: 193 ] صلى الله عليه وسلم فأخبرته . قال : ( فأعطه الذي سألك ، وجئني بدلو من ماء البئر الذي يسقي - أو تسقي به - ذلك النخل ) قال : فانطلقت إلى الرجل فابتعت منه نفسي فشرطت له الذي سألني ، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقي به ذلك النخل ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، فانطلقت فغرست به ذلك النخل . فوالله ما غدرت منه نخلة واحدة . فلما تبين ثبات النخل - أو نبات النخل - أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه قد تبين ثبات النخل - أو نباته - فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوزن نواة من ذهب فأعطانيها ، فذهبت بها إلى الرجل في كفة الميزان ، ووضع له نواة في الجانب الآخر ، فوالله ما قلت من الأرض . فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : ( لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه ) فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكنت معه . رواه الثوري عن عبيد المكتب مختصرا . ورواه السلم بن الصلت العبدي عن أبي الطفيل مطولا .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو حبيب يحيى بن نافع المصري ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا ابن لهيعة ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، ثنا السلم بن الصلت العبدي عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه ، قال : كنت رجلا من أهل جي - مدينة أصبهان - فبينا أنا ، إذ ألقى الله تعالى في قلبي : من خلق السماوات والأرض ؟ فانطلقت إلى رجل لم يكن يكلم الناس يتحرج ، فسألته : أي الدين أفضل ؟ فقال : ما لك ولهذا الحديث ، أتريد دينا غير دين أبيك ؟ قلت : لا ! ولكن أحب أن أعلم من رب السماوات والأرض وأي دين أفضل ؟ قال : ما أعلم أحدا على هذا غير راهب بالموصل ، قال : فذهبت إليه ، فكنت عنده فإذا هو قد أقتر عليه في الدنيا ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل ، فكنت أعبد كعبادته ، فلبثت عنده ثلاث سنين ثم توفي . فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : ما أعلم أحدا من [ ص: 194 ] أهل المشرق على ما أنا عليه ، فعليك براهب وراء الجزيرة فأقرئه مني السلام . قال : فجئته فأقرأته منه السلام وأخبرته أنه قد توفي ، فمكثت أيضا عنده ثلاث سنين ثم توفي . فقلت : إلى من تأمرني أن أذهب ؟ قال : ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه غير راهب بعمورية ، شيخ كبير ، وما أرى تلحقه أم لا ، فذهبت إليه فكنت عنده ، فإذا رجل موسع عليه ، فلما حضرته الوفاة ، قلت له : أين تأمرني أذهب ؟ قال : ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه ، ولكن إن أدركت زمانا تسمع برجل يخرج من بيت إبراهيم عليه السلام - وما أراك تدركه - وقد كنت أرجو أن أدركه ، فإن استطعت أن تكون معه فافعل ؛ فإنه الدين ، وأمارة ذلك أن قومه يقولون : ساحر مجنون كاهن ، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، وأن عند غضروف كتفه خاتم النبوة . قال : فبينا أنا كذلك حتى أتت عير من نحو المدينة . فقلت : من أنتم ؟ قالوا : نحن من أهل المدينة ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا ، ولكنه قد خرج رجل من أهل بيت إبراهيم فقدم علينا وقومه يقاتلونه ، وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا ، ولكنه قد ملك المدينة . قال : فقلت : ما يقولون فيه ؟ قال : يقولون : ساحر مجنون كاهن ، فقلت : هذه الأمارة ، دلوني على صاحبكم ، فجئته فقلت : تحملني إلى المدينة ؟ فقال : ما تعطيني ؟ قلت : ما أجد شيئا أعطيك غير أني لك عبد ، فحملني ، فلما قدمت جعلني في نخله ، فكنت أسقي كما يسقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ، ولا أجد أحدا يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تسقي ، فكلمتها ففهمت كلامي ، فقلت لها : أين هذا الرجل الذي خرج ؟ دليني عليه ، قالت : سيمر عليك بكرة إذا صلى الصبح من أول النهار ، فخرجت فجمعت تمرا ، فلما أصبحت جئت ثم قربت إليه التمر ، فقال : ( ما هذا : أصدقة أم هدية ؟ ) فأشرت أنه صدقة . فقال : ( انطلق إلى هؤلاء ) وأصحابه عنده ، فأكلوا ولم يأكل ، فقلت : هذه الأمارة ، فلما كان من الغد جئت بتمر ، فقال : ( ما هذا ؟ ) فقلت : هذه هدية ، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا ، ثم رآني أتعرض لأنظر إلى الخاتم ، فعرف فألقى رداءه ، فأخذت أقبله وألتزمه . فقال : [ ص: 195 ] ( ما شأنك ؟ ) فسألني فأخبرته خبري . فقال : ( اشترطت لهم أنك عبد ، فاشتر نفسك منهم ) فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحيي له ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبا ، ثم هو حر . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اغرس ) فغرس ( ثم انطلق فألق الدلو على البئر ثم ترفعه حين يرتفع ، فإنه إذا امتلأ ارتفع ، ثم رش في أصولها ) ففعل فنبت النخل أسرع النبات . فقالوا : سبحان الله ، ما رأينا مثل هذا العبد ! إن لهذا العبد لشأنا . فاجتمع عليه الناس فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تبرا ، فإذا فيه أربعون أوقية .

ورواه محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن سلمان ، وقال : كنت فارسيا من أهل أصبهان من قرية جي .

ورواه داود بن أبي هند ، عن سماك ، عن سلامة العجلي ، عن سلمان ، بطوله . وقال : كنت من أهل رامهرمز .

ورواه سيار ، عن موسى بن سعيد الراسبي ، عن أبي معاذ ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن سلمان ، بطوله .

ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان .

حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد ، ثنا محمد بن محمد بن سليمان ، ثنا عبد الله بن العباس بن البختري ، حدثني خالد بن الحباب ، ثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، أنه قال : قد تداولني بضعة عشر ، من رب إلى رب .

التالي السابق


الخدمات العلمية