صفحة جزء
37- سعيد بن عامر

ومنهم سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي ، زهد في الدنيا الفتانة السحارة ، ونظر إلى طلابها بعين الحقارة ، وسلك منهج السابقين بالحث والنذارة ، ورغب عن الدنيا مع تقلد الولايات وقيامه فيها برعايته العهود والأمانات .

وقد قيل : إن التصوف مصابرة المنون دون تحقيق الظنون .

حدثنا محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى بن عبد الله الحراني ، ثنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، قال : لما عزل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه معاوية عن الشام ، بعث سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي قال : فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه ، فما لبث إلا يسيرا حتى أصابته حاجة شديدة ، قال : فبلغ ذلك عمر فبعث إليه بألف دينار ، قال : فدخل بها على امرأته فقال : إن عمر بعث إلينا بما ترين ، فقالت : لو أنك اشتريت لنا أدما وطعاما وادخرت سائرها ، فقال لها : أولا أدلك على أفضل من ذلك ؟ نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانها عليه ، قالت : فنعم إذا ، فاشترى أدما [ ص: 245 ] وطعاما واشترى بعيرين وغلامين يمتاران عليهما حوائجهم وفرقها في المساكين وأهل الحاجة ، قال : فما لبث إلا يسيرا حتى قالت له امرأته : إنه نفذ كذا وكذا ، فلو أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه ، قال : فسكت عنها ، قال : ثم عاودته ، قال : فسكت عنها حتى آذته ، ولم يكن يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل ، قال : وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخوله . فقال لها : ما تصنعين ؟ إنك قد آذيتيه وإنه قد تصدق بذلك المال ، قال : فبكت أسفا على ذلك المال ثم إنه دخل عليها يوما ، فقال : على رسلك ، إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب أني صددت عنهم وأن لي الدنيا وما فيها ، ولو أن خيرة من خيرات الحسان اطلعت من السماء لأضاءت لأهل الأرض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ، ولنصيف تكسى خير من الدنيا وما فيها ، فلأنت أحرى في نفسي أن أدعك لهن من أن أدعهن لك ، قال : فسمحت ورضيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية