صفحة جزء
42 - حذيفة بن اليمان

ومنهم العارف بالمحن وأحوال القلوب ، والمشرف على الفتن والآفات والعيوب ، سأل عن الشر فاتقاه ، وتحرى الخير فاقتناه ، سكن عند الفاقة والعدم ، وركن إلى الإنابة والندم ، وسبق رتق الأيام والأزمان ، أبو عبد الله حذيفة بن اليمان .

وقد قيل : إن التصوف مرامقة صنع الرحمن ، والموافقة مع المنع والحرمان .

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي ، ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا أبو مالك الأشجعي ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه قدم من عند عمر رضي الله تعالى عنه فقال : لما جلسنا إليه ، سأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر ؟ فأسكت القوم وظننت أنه إياي يريد ، قال : فقلت : أنا ، قال : أنت لله أبوك ! قلت : تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، وأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، حتى تصير القلوب على قلبين ، قلب أبيض [ ص: 271 ] مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا - وأمال كفه ، وإن أبا يزيد قال هكذا وأمال كفه - لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ، وحدثته : أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر كسرا ، فقال عمر : كسرا لا أبا لك ؟ قلت : نعم ! قال : فلو أنه فتح لكان لعله أن يعاد فيغلق ، فقلت : بل كسرا ، قال : وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثا ليس بالأغاليط .

رواه عن أبي مالك الأشجعي جماعة منهم زهير ، ومروان العزاري ، وأبو خالد الأحمر .

حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، ثنا المسعودي ، وقيس ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، قال : قال حذيفة رضي الله تعالى عنه : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال فعلموا من القرآن وعلموا من السنة . ثم حدثنا عن رفعها ، فقال : ينام الرجل فيكم فينكت في قلبه نكتة سوداء فيظل أثرها كالمجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا ليس فيه شيء فيصبح الناس ليس فيهم أمين ، وليأتين على الناس زمان يقال للرجل : ما أظرفه ، وما أعلمه ، وما في قلبه من الإيمان مثقال شعيرة .

رواه الناس عن الأعمش .

حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، وحدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا الحارث بن أبي أسامة ، ثنا أبو النضر ، قالا : ثنا سليمان بن المغيرة ، حدثني حميد بن هلال ، ثنا نصر بن عاصم الليثي ، قال : أتيت اليشكري في رهط من بني ليث ، فقال : قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رءوسهم يستمعون إلى حديث رجل : فقمت عليهم ، فقلت : من هذا ؟ قيل : حذيفة بن اليمان ، فدنوت منه فسمعته يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر [ ص: 272 ] [ فعرفت أن الخير لم يسبقني ، قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد هذا الخير شر ؟ قال : يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ثلاثا ، قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بعد هذا الخير شر ، قال : فتنة وشر ، وقال أبو داود - هدنة على دخن ، قال : قلت : يا رسول الله ما الهدنة على دخن ؟ قال : لا ترجع قلوب أقوام إلى ما كانت عليه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم تكون فتنة عمياء صماء دعاته ضلالة ، أو قال : دعاته النار ، فلأن تعضد على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدا منهم .

رواه قتادة ، عن نصر وسمى اليشكري خالدا .

حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا محمد بن المثنى ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني بشر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت حذيفة رضي الله تعالى عنه يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ] مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : " نعم " فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ، فقال : " نعم ، وفيه دخن " فقلت : وما دخنه ؟ قال : " قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر " فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : " نعم ، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " قلت : يا رسول الله فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : " اعتزل تلك الفرق كلها ولله أن امض على جذل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " .

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا سعيد بن منصور ، ثنا أبو معاوية : وحدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي عمار ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : وإن الفتنة تعرض على القلوب ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، فإن [ ص: 273 ] أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا ؟ فلينظر ! فإن كان يرى حراما ما كان يراه حلالا ، أو يرى حلالا ما كان يراه حراما ، فقد أصابته الفتنة .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن علي بن الجارود أبو سعيد الأشج ، ثنا أبو خالد الأحمر ، قال : سمعت الأعمش يذكر عن سليمان بن ميسرة ، عن طارق بن شهاب ، قال : قال حذيفة رضي الله تعالى عنه : إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء ، حتى يصير قلبه كالشاة الربداء .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد ، ثنا سليمان بن حيان ، عن الأعمش ، عن عمارة بنت عمير ، عن أبي عمار ، عن حذيفة ، قال : والذي لا إله غيره إن الرجل ليصبح يبصر ببصره ويمسي ما ينظر بشفر .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة قال : أتتكم الفتن ترمي بالنشف ، ثم أتتكم ترمي بالرضف ثم أتتكم سوداء مظلمة .

حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ، ثنا إسحاق بن راهويه ، ثنا الفضل بن موسى ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه ، قال : ثلاث فتن والرابعة تسوقهم إلى الدجال ، التي ترمي بالرضف ، والتي ترمي بالنشف ، والسوداء المظلمة التي تموج كموج البحر ، والرابعة تسوقهم إلى الدجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية