صفحة جزء
حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن المبارك الصنعاني ، ثنا يزيد بن المبارك ، ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الزماري ، ثنا القاسم بن معن ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : لما مات معاوية تثاقل عبد الله بن الزبير عن طاعة يزيد بن معاوية وأظهر شتمه ، فبلغ ذلك يزيد فأقسم لا يؤتى به إلا مغلولا ، وإلا أرسل إليه . فقيل لابن الزبير : ألا نصنع لك غلا من فضة تلبس عليه الثوب وتبر قسمه فالصلح أجمل بك؟ قال : لا أبر الله قسمه ، ثم قال :


ولا ألين لـغـير الـلـه أسـألـه حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

ثم قال : والله لضربة بسيف في عز أحب إلي من ضربة بسوط في ذل . ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف لابن معاوية ، فبعث إليه يزيد حصين بن نمير الكندي ، وقال له : يا ابن برذعة الحمار احذر خدائع قريش ولا تعاملهم إلا بالثقاف ثم القطاف . فورد حصين مكة فقاتل بها ابن الزبير وأحرق الكعبة ، ثم بلغه موت يزيد فهرب ، فلما مات يزيد دعا مروان بن الحكم إلى نفسه ، ثم [ ص: 332 ] مات مروان فدعا عبد الملك إلى نفسه ، فعقد للحجاج في جيش إلى مكة فورد مكة وظهر على أبي قبيس ونصب عليه المنجنيق يرمي به ابن الزبير ومن معه في المسجد ، فلما كان الغداة التي قتل فيها ابن الزبير دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر ، وهي يومئذ ابنة مائة سنة ، لم يسقط لها سن ولم يفسد لها بصر ، فقالت : يا عبد الله ما فعلت في حربك؟ قال : بلغوا مكان كذا وكذا وضحك ، وقال : إن في الموت لراحة . فقالت أسماء : يا بني لعلك تتمناه لي ، ما أحب أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك : إما أن تملك فتقر بذلك عيني ، وإما أن تقتل فأحتسبك . ثم ودعها فقالت : يا بني إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة القتل . وخرج عنها فدخل المسجد قيل له : ألا تكلمهم في الصلح؟ فقال : أوحين صلح هذا والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم ، ثم أنشأ يقول :


ولست بمبـتـاع الـحـياة بـذلة     ولا مرتق من خشية الموت سلما

ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ، ويقول : ليكن أحدكم سيفه كما يكن وجهه ، ولا ينكسر سيفه فيدفع عن نفسه بيده كأنه امرأة ، والله ما لقيت زحفا قط إلا في الرعيل الأول وما ألمت جرحا قط إلا أن يكون ألم الدواء ، ثم حمل عليهم ومعه سيفان ، فأول من لقيه الأسود فضربه بسيفه حتى أطن رجله ، فقال الأسود : أخ يا ابن الزانية ، فقال له ابن الزبير : اخس يا ابن حام ، أسماء زانية ! ثم أخرجهم من المسجد فما زال يحمل عليهم ويخرجهم من المسجد ويقول : لو كان قرني واحدا كفيته ، قال : وعلى ظهر المسجد من أعوانه من يرمي عدوه بالآجر ، فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول :


ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أقدامنا تقطر الدمـا

قال : ثم وقع فأكب عليه موليان وهما يقولان : العبد يحمي ربه ويحتمي ، قال : ثم سير إليه فجز رأسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية