صفحة جزء
حدثنا أبي ، ثنا حامد بن محمود ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا الوليد بن إسماعيل [ ص: 81 ] الحراني ، ثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد ، حدثني مجالد بن يزيد ، عن نوفل بن عبد الله ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن أبي هريرة ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال : ليصلين معكم غدا رجل من أهل الجنة ، قال أبو هريرة : فطمعت أن أكون أنا ذلك الرجل ، فغدوت فصليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأقمت في المسجد حتى انصرف الناس وبقيت وهو ، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة ، مرتد برقعة ، فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال :يا نبي الله ادع الله لي ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر ، فقلت : يا رسول الله أهو هو ؟ قال : نعم ، إنه لمملوك لبني فلان ، قلت : أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله ؟ قال : وأنى لي ذلك ، إن كان الله تعالى يريد أن يجعله من ملوك الجنة ، يا أبا هريرة إن لأهل الجنة ملوكا وسادة ، وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم ، يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رؤوسهم ، المغبرة وجوههم ، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال ، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم ، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن حضروا لم يدعوا ، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم ، وإن مرضوا لم يعادوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا ، قالوا : يا رسول الله كيف لنا برجل منهم ؟ قال : ذاك أويس القرني ، قالوا : وما أويس القرني ؟ قال : أشهل ذو صهوبة ، بعيد ما بين المنكبين ، معتدل القامة ، آدم شديد الأدمة ، ضارب بذقنه إلى صدره ، رام بذقنه إلى موضع سجوده ، واضع يمينه على شماله ، يتلو القرآن يبكي على نفسه ، ذو طمرين لا يؤبه له ، متزر بإزار صوف ورداء صوف ، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء ، لو أقسم على الله لأبر قسمه ، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة [ ص: 82 ] قيل للعباد : ادخلوا الجنة ، ويقال لأويس : قف فاشفع ، فيشفعه الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر ، يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما ، يغفر الله تعالى لكما ، قال : فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ، فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها - عمر ، في ذلك العام قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته : يا أهل الحجيج من أهل اليمن ; أفيكم أويس من مراد ؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية ، فقال : إنا لا ندري ما أويس ؟ ولكن ابن أخ لي يقال له أويس ، ، وهو أخمل ذكرا وأقل مالا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك ، وإنه ليرعى إبلنا ، حقير بين أظهرنا ، فعمى عليه - عمر كأنه لا يريده ، قال : أين ابن أخيك هذا ؟ أبحرمنا هو ؟ قال : نعم ، قال : وأين يصاب ؟ قال : بأراك عرفات ، قال : فركب عمر وعلي سراعا إلى عرفات ، فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى ، فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه ، فقالا : السلام عليكم ورحمة الله ، فخفف أويس الصلاة ، ثم قال : السلام عليكما ورحمة الله وبركاته ، قالا : من الرجل ؟ قال : راعي إبل وأجير قوم ، قالا : لسنا نسألك عن الرعاية ولا الإجارة ; ما اسمك ؟ قال : عبد الله ، قالا : قد علمنا أن أهل السماوات والأرض كلهم عبيد الله : ، فما اسمك الذي سمتك أمك ؟ قال :يا هذان ما تريدان إلي ؟ قالا : وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويسا القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة ; وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء ، فأوضحها لنا ; فإن كان بك فأنت هو ، فأوضح منكبه فإذا اللمعة ، فابتدراه يقبلانه ، قالا : نشهد أنك أويس القرني ; فاستغفر لنا يغفر الله لك ، قال : ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ، ولكنه من في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، يا هذان قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما ؟ قال علي رضي الله عنه : أما هذا فعمر أمير المؤمنين ، وأما أنا فعلي بن أبي طالب ، فاستوى أويس قائما وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، وأنت يا ابن أبي طالب ، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيرا ، قال : وأنت جزاك الله من نفسك خيرا ، فقال له - عمر : مكانك [ ص: 83 ] يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي ، وفضل كسوة من ثيابي ، هذا المكان ميعاد بيني وبينك ، قال : يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ، لا أراك بعد اليوم تعرفني ، وما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة ؟ أما ترى علي إزارا من صوف ورداء من صوف ، متى تراني أخرقهما ، أما ترى نعلي مخصوفتان ، متى تراني أبليهما ؟ أما تراني أني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم ، متى تراني آكلها ؟ يا أمير المؤمنين ؟ إن [ بين ] يدي ويديك عقبة كئودا لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول ، فأخف يرحمك الله ، فلما سمع - عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض ، ثم نادى بأعلى صوته : ألا ليت أن أم - عمر لم تلده ، يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها ، ألا من يأخذها بما فيها ؟ ثم قال :يا أمير المؤمنين خذ أنت ههنا حتى آخذ أنا ههنا ، فولى - عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم ، وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل .

فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين ، قال سلمة بن شبيب : كتبنا غير حديث في قصة أويس ما كتبنا أتم منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية