صفحة جزء
163 - عامر بن عبد قيس

ومنهم المضر بلذيذ العيش عامر بن عبد الله بن عبد قيس ، المراقب المستحي ، السالم المستضي .

وقد قيل : إن التصوف انتصاب الارتقاء ، وارتقاء الالتقاء .

حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا خالد بن يزيد الحراني ، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد ، عن علقمة عن مرثد قال : انتهى الزهد إلى ثمانية : عامر بن عبد الله بن عبد قيس ، وأويس القرني ، وهرم بن حيان ، والربيع بن خيثم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد ، وأبو مسلم الخولاني ، والحسن بن أبي الحسن ، فأما عامر بن عبد الله فكان ، يقول : في [ ص: 88 ] الدنيا الغموم والأحزان ، وفي الآخرة النار والحساب ، فأين الراحة والفرح ، إلهي خلقتني ولم تؤامرني في خلقي ، وأسكنتني بلايا الدنيا ثم قلت لي : استمسك ، فكيف أستمسك إن لم تمسكني ؟ إلهي إنك لتعلم أن لو كانت لي الدنيا بحذافيرها ثم سألتنيها لجعلتها لك ، فهب لي نفسي ، وكان يقول : لذات الدنيا أربعة : المال والنساء والنوم والطعام ، فأما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما ، وأما النوم والطعام فلا بد لي منهما ، فوالله لأضرن بهما جهدي ، ولقد كان يبيت قائما ويظل صائما ، ولقد كان إبليس يلتوي في موضع سجوده ، فإذا ما وجد ريحه نحاه بيده ثم يقول : لولا نتنك لم أزل عليك ساجدا ، وهو يتمثل كهيئة الحية ، ورأيته وهو يصلي فيدخل تحت قميصه حتى يخرج من كمه وثيابه فلا يحيد ، فقيل له : ألا تنحي الحية ، فيقول : والله إني لأستحي من الله تعالى أن أخاف شيئا غيره ، والله ما أعلم بهذا حين يدخل ولا حين يخرج ، وقيل له : إن الجنة تدرك بدون ما تصنع ، وإن النار تتقى بدون ما تصنع ، فيقول : لا ، حتى لا ألوم نفسي ، قال : ومرض فبكى ، فقيل له : ما يبكيك وقد كنت وقد كنت ؟ فيقول : ما لي لا أبكي ومن أحق بالبكاء مني ؟ والله ما أبكي حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت ، ولكن لبعد سفري وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود وهبوط ، جنة أو نار ، فلا أدري إلى أيهما أصير .

حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، حدثني أبو حميد أحمد بن محمد الحمصي ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد ، قال : انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين ، فذكر نحوه ، وزاد : وقال : لأجتهدن فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن دخلت النار فلبعد جهدي ، وكان يقول : ما أبكي على دنياكم رغبة فيها ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية