صفحة جزء
169- الحسن البصري

ومنهم حليف الخوف والحزن ، أليف الهم والشجن ، عديم النوم والوسن ، [ ص: 132 ] أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن . الفقيه الزاهد ، المتشمر العابد ، كان لفضول الدنيا وزينتها نابذا ، ولشهوة النفس ونخوتها واقذا .

وقد قيل : إن التصوف التنقية من الدرن ، والتوقية من البدن ، للتبقية في العدن .

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مخلد ، قال : ثنا أحمد بن موسى الشوطي ، قال : ثنا محمد بن سابق ، قال : ثنا مالك بن مغول ، عن محمد بن جحادة ، عن الحسن ، قال : ذهبت المعارف وبقيت المناكر ، ومن بقي من المسلمين فهو مغموم .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، قال : ثنا محمد بن المغيرة ، قال : ثنا عمران بن خالد قال : قال الحسن : إن المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا ولا يسعه غير ذلك ، لأنه بين مخافتين ؛ بين ذنب قد مضى لا يدري ما الله يصنع فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهالك .

حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل ، قال : ثنا أبو العباس السراج ، قال : ثنا حاتم بن الليث ، قال : ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، قال : ثنا الحجاج بن دينار ، قال : كان الحكم بن حجل صديقا لابن سيرين ، فلما مات ابن سيرين حزن عليه حتى جعل يعاد كما يعاد المريض ، فحدث بعد ، قال : رأيت أخي في المنام - يعني ابن سيرين - فرأيته في قصر فذكر من هيئته وأنه على أفضل حال ، فقلت له : أي أخي قد أراك في حال يسرني فما صنع الحسن ؟ قال : رفع فوقي بتسعين درجة ، فقلت : ومما ذاك ؟ قال : بطول حزنه .

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا علي بن مسلم ، قال : ثنا سيار ، قال : ثنا عبيد الله بن شميط ، حدثني أبي ، قال : سمعت الحسن يقول : إن المؤمن يصبح [ ص: 133 ] حزينا ويمسي حزينا ، وينقلب باليقين في الحزن ، ويكفيه ما يكفي العنيزة ، الكف من التمر والشربة من الماء .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، قال : ثنا عبد الله بن أبي داود ، قال : ثنا علي بن مسلم قال :ثنا عباد ، عن هشام ، عن الحسن ، قال : إن المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا ، وينقلب في الحزن ، ويكفيه ما يكفي العنيزة .

حدثنا محمد بن علي ، قال : ثنا أبو عروبة ، قال : ثنا أبو الأشعث ، قال : ثنا حزم بن أبي حزم ، قال : سمعت الحسن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما يسع المؤمن في دينه إلا الحزن .

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ثنا جعفر بن سليمان ، قال : ثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري ، قال : ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن ، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا محمد بن العباس بن أيوب ، قال : ثنا علي بن مسلم ، قال : ثنا زافر بن سليمان ، قال : ذكر أبو مروان بشر الرحال ، عن الحسن ، قال : يحق لمن يعلم أن الموت مورده ، وأن الساعة موعده ، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده ، أن يطول حزنه .

حدثنا مخلد بن جعفر ، قال : ثنا سعيد بن عجب ، قال : ثنا سعيد بن بهلوان ، قال : ثنا عباد بن كليب ، عن أسد بن سليمان ، عن الحسن ، قال : طول الحزن في الدنيا تلقيح العمل الصالح .

حدثنا أبو بكر بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا بشر بن موسى ، قال : ثنا عبد الصمد بن حسان ، قال : ثنا السري بن يحيى ، عن الحسن ، أنه قال : والله ما من الناس رجل أدرك القرن الأول أصبح بين ظهرانيكم ، إلا أصبح مغموما وأمسى مغموما .

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد ، قال : ثنا علي بن مسلم ، قال : ثنا سيار ، قال : ثنا جعفر ، قال : سمعت هشام بن حسان ، قال : ثنا السري بن يحيى ، عن الحسن أنه قال : والله لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا حزن وذبل ، وإلا نصب ، وإلا ذاب ، وإلا تعب .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا علي بن مسلم ، قال : ثنا سيار ، قال : ثنا جعفر ، قال : سمعت حوشبا ، يقول : سمعت الحسن يحلف بالله يقول : والله يا ابن آدم لئن قرأت القرآن ثم آمنت به ، ليطولن في الدنيا حزنك ، [ ص: 134 ] وليشتدن في الدنيا خوفك ، وليكثرن في الدنيا بكاؤك .

حدثنا أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا أبو حميد أحمد بن محمد الحمصي ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد ، قال : انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين ؛ فمنهم الحسن بن أبي الحسن ، فما رأينا أحدا من الناس كان أطول حزنا منه ، ما كنا نراه إلا أنه حديث عهد بمصيبة ، ثم قال : نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا ، فقال : لا أقبل منكم شيئا ، ويحك يا ابن آدم لك بمحاربة الله طاقة ؟ إنه من عصى الله فقد حاربه . والله لقد أدركت سبعين بدريا أكثر لباسهم الصوف ، ولو رأيتموهم قلتم مجانين ، ولو رأوا خياركم لقالوا : ما لهؤلاء من خلاق ، ولو رأوا شراركم لقالوا ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب ، ولقد رأيت أقواما كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه ، ولقد رأيت أقواما يمشي أحدهم وما يجد عنده إلا قوتا فيقول : لا أجعل هذا كله في بطني ، لأجعلن بعضه لله عز وجل فيتصدق ببعضه ، وإن كان هو أحوج ممن تصدق به عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية