صفحة جزء
حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : كتب إلي أحمد بن إبراهيم بن هشام الدمشقي ، ثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة ، عن ابن حرث ، عن ابن عجلان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، أن عليا شيع جنازة ، [ ص: 78 ] فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوا ، فقال : ما تبكون ؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم ، وإن له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحدا . ثم قام فقال : أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ، ووقت لكم الآجال ، وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها ، وأبصارا لتجلو عن غشاها ، وأفئدة تفهم ما دهاها ، في تركيب صورها وما أعمرها ، فإن الله لم يخلقكم عبثا ، ولم يضرب عنكم الذكر صفحا ، بل أكرمكم بالنعم السوابغ ، وأرفدكم بأوفر الروافد ، وأحاط بكم الإحصاء ، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء ، فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب ، وبادروا بالعمل مقطع النهمات ، وهادم اللذات ، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ، ولا تؤمن فجائعها ، غرور حائل ، وشبح فائل ، وسناد مائل ، يمضي مستطرفا ويردي مستردفا ، بإتعاب شهواتها ، وختل تراضعها ، اتعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالآيات والأثر ، وازدجروا بالنذر ، وانتفعوا بالمواعظ ، فكأن قد علقتكم مخالب المنية ، وضمكم بيت التراب ، ودهمتكم مقطعات الأمور بنفخة الصور ، وبعثرة القبور ، وسياقة المحشر ، وموقف الحساب ، بإحاطة قدرة الجبار ، كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها ، وشاهد يشهد عليها بعملها ، ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ) فارتجت لذلك اليوم البلاد ، ونادى المناد ، وكان يوم التلاق ، وكشف عن ساق ، وكسفت الشمس ، وحشرت الوحوش ، مكان مواطن الحشر ، وبدت الأسرار ، وهلكت الأشرار ، وارتجت الأفئدة ، فنزلت بأهل النار من الله سطوة مجيخة ، وعقوبة منيحة ، وبرزت الجحيم لها كلب ولجب ، وقصيف رعد ، وتغيظ ووعيد ، تأجج جحيمها ، وغلا حميمها ، وتوقد سمومها ، فلا ينفس خالدها ، ولا تنقطع حسراتها ، ولا يقصم كبولها ، معهم ملائكة يبشرون بنزل من حميم ، وتصلية جحيم ، عن الله محجوبون ، ولأوليائه مفارقون ، وإلى النار منطلقون . عباد الله ، اتقوا الله تقية من كنع فخنع ، ووجل فرحل ، وحذر [ ص: 79 ] فأبصر فازدجر ، فاحتث طلبا ، ونجا هربا ، وقدم للمعاد ، واستظهر بالزاد ، وكفى بالله منتقما وبصيرا ، وكفى بالكتاب خصما وحجيجا ، وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار وبالا وعقابا ، وأستغفر الله لي ولكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية