المسألة الثانية : في تفسير الآية وجوه : 
أحدها : المراد : وإن تخالطوهم في الطعام والشراب والمسكن والخدم فإخوانكم ، والمعنى : أن القوم ميزوا طعامه عن طعام أنفسهم ، وشرابه عن شراب أنفسهم ، ومسكنه عن مسكن أنفسهم ، فالله تعالى أباح لهم خلط الطعامين والشرابين ، والاجتماع في المسكن الواحد ، كما يفعله المرء بمال ولده ، فإن هذا أدخل في حسن العشرة والمؤالفة ، والمعنى : وإن تخالطوهم بما لا يتضمن إفساد أموالهم فذلك جائز . 
وثانيها : أن يكون المراد بهذه المخالطة أن ينتفعوا بأموالهم بقدر ما يكون أجره مثل ذلك العمل ، والقائلون بهذا القول منهم من جوز ذلك سواء كان القيم غنيا أو فقيرا ، ومنهم من قال : إذا كان القيم غنيا لم يأكل من ماله ; لأن ذلك فرض عليه 
وطلب الأجرة على العمل الواجب لا يجوز ، واحتجوا عليه بقوله تعالى : ( 
ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف   ) [النساء : 6] وأما إن كان القيم فقيرا فقالوا : إنه يأكل بقدر الحاجة ويرده إذا أيسر ، فإن لم يوسر تحلله من اليتيم ، وروي عن 
عمر  رضي الله عنه أنه قال : أنزلت نفسي من مال الله تعالى بمنزلة ولي اليتيم : إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت قرضا بالمعروف ثم قضيت ، وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد  أنه إذا كان فقيرا وأكل بالمعروف فلا قضاء عليه . 
القول الثالث : أن يكون معنى الآية أن 
يخلطوا أموال اليتامى بأموال أنفسهم على سبيل الشركة بشرط رعاية جهات المصلحة والغبطة للصبي   . 
والقول الرابع : وهو اختيار 
أبي مسلم    : أن المراد بالخلط المصاهرة في النكاح ، على نحو قوله : ( 
وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا   ) [النساء : 3] وقوله عز من قائل : ( 
ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء   ) [النساء : 127] قال : وهذا القول راجح على غيره من وجوه : 
أحدها : أن هذا القول خلط لليتيم نفسه ، والشركة خلط لماله . 
وثانيها : أن الشركة داخلة في قوله : ( 
قل إصلاح لهم خير   ) والخلط من جهة النكاح ، وتزويج البنات منهم لم يدخل في ذلك ، فحمل الكلام في هذا الخلط أقرب . 
وثالثها : أن قوله تعالى : ( 
فإخوانكم   ) يدل على أن المراد بالخلط هو هذا النوع من الخلط ; لأن اليتيم لو لم يكن من أولاد المسلمين لوجب أن يتحرى صلاح أمواله كما يتحراه إذا كان مسلما ، فوجب أن تكون الإشارة بقوله : ( 
فإخوانكم   ) إلى نوع آخر من المخالطة . 
ورابعها : أنه تعالى قال بعد هذه الآية : ( 
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن   ) [البقرة : 221] فكان المعنى أن المخالطة المندوب إليها إنما هي في اليتامى الذين هم لكم إخوان بالإسلام فهم الذين ينبغي أن تناكحوهم لتأكيد الألفة ، فإن كان 
اليتيم من المشركات فلا تفعلوا ذلك . 
المسألة الثالثة : قوله : ( 
فإخوانكم   ) أي فهم إخوانكم . قال 
الفراء    : ولو نصبته كان صوابا ، والمعنى فإخوانكم تخالطون . 
أما قوله : ( 
والله يعلم المفسد من المصلح   ) فقيل : المفسد لأموالهم من المصلح لها ، وقيل : يعلم ضمائر من أراد الإفساد والطمع في مالهم بالنكاح من المصلح ، يعني : أنكم إذا أظهرتم من أنفسكم إرادة الإصلاح فإذا لم تريدوا ذلك في قلوبكم ، بل كان مرادكم منه غرضا آخر ، فالله مطلع على ضمائركم عالم بما في قلوبكم ، وهذا تهديد عظيم ، والسبب أن اليتيم لا يمكنه رعاية الغبطة لنفسه ، وليس لها أحد يراعيها   
[ ص: 46 ] فكأنه تعالى قال : لما لم يكن له أحد يتكفل بمصالحه فأنا ذلك المتكفل ، وأنا المطالب لوليه ، وقيل : والله يعلم المصلح الذي يلي من أمر اليتيم ما يجوز له بسببه الانتفاع بماله ، ويعلم المفسد الذي لا يلي من إصلاح أمر اليتيم ما يجوز له بسببه الانتفاع بماله ، فاتقوا 
أن تتناولوا من مال اليتيم شيئا من غير إصلاح منكم لمالهم   . 
أما قوله تعالى : ( 
ولو شاء الله لأعنتكم   ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : 
  "الإعنات" الحمل على مشقة لا تطاق ، يقال : أعنت فلان فلانا إذا أوقعه فيما لا يستطيع الخروج منه ، وتعنته تعنتا إذا لبس عليه في سؤاله ، وعنت العظم المجبور إذا انكسر بعد الجبر ، وأصل ( العنت ) من المشقة ، وأكمة عنوت إذا كانت شاقة كدودا ، ومنه قوله تعالى : ( 
عزيز عليه ما عنتم   ) [التوبة : 128] أي شديد عليه ما شق عليكم ، ويقال : أعنتني في السؤال أي شدد علي وطلب عنتي وهو الإضرار ، وأما المفسرون فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا . 
وقال 
عطاء    : ولو شاء الله لأدخل عليكم المشقة كما أدخلتم على أنفسكم ، ولضيق الأمر عليكم في مخالطتهم ، وقال 
الزجاج    : ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم .