صفحة جزء
المسألة الرابعة : في الآية إشكال ، وهو أن قوله : ( ولا تنكحوا المشركات ) يقتضي حرمة نكاح المشركة ، ثم قوله : ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) يقتضي جواز التزوج بالمشركة ; لأن لفظة أفعل تقتضي المشاركة في الصفة ولأحدهما مزية .

قلنا : نكاح المشركة مشتمل على منافع الدنيا ، ونكاح المؤمنة مشتمل على منافع الآخرة ، والنفعان يشتركان في أصل كونهما نفعا ، إلا أن نفع الآخرة له المزية العظمى ، فاندفع السؤال . والله أعلم .

أما قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) فلا خلاف ههنا أن المراد به الكل ، وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر ألبتة ، على اختلاف أنواع الكفرة .

وقوله : ( ولعبد مؤمن خير من مشرك ) فالكلام فيه على نحو ما تقدم .

أما قوله : ( أولئك يدعون إلى النار ) ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : هذه الآية نظير قوله : ( ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ) [غافر : 41] .

[ ص: 53 ] فإن قيل : فكيف يدعون إلى النار وربما لم يؤمنوا بالنار أصلا ، فكيف يدعون إليها ؟

وجوابه : أنهم ذكروا في تأويل هذه الآية وجوها :

أحدها : أنهم يدعون إلى ما يؤدي إلى النار ، فإن الظاهر أن الزوجية مظنة الألفة والمحبة والمودة ، وكل ذلك يوجب الموافقة في المطالب والأغراض ، وربما يؤدي ذلك إلى انتقال المسلم عن الإسلام بسبب موافقة حبيبه .

فإن قيل : احتمال المحبة حاصل من الجانبين ، فكما يحتمل أن يصير المسلم كافرا بسبب الألفة والمحبة ، يحتمل أيضا أن يصير الكافر مسلما بسبب الألفة والمحبة ، وإذا تعارض الاحتمالان وجب أن يتساقطا ، فيبقى أصل الجواز .

قلنا : إن الرجحان لهذا الجانب لأن بتقدير أن ينتقل الكافر عن كفره يستوجب المسلم به مزيد ثواب ودرجة ، وبتقدير أن ينتقل المسلم عن إسلامه يستوجب العقوبة العظيمة ، والإقدام على هذا العمل دائر بين أن يلحقه مزيد نفع وبين أن يلحقه ضرر عظيم ، وفي مثل هذه الصورة يجب الاحتراز عن الضرر ، فلهذا السبب رجح الله تعالى جانب المنع على جانب الإطلاق .

التأويل الثاني : أن في الناس من حمل قوله : ( أولئك يدعون إلى النار ) أنهم يدعون إلى ترك المحاربة والقتال ، وفي تركهما وجوب استحقاق النار والعذاب ، وغرض هذا القائل من هذا التأويل أن يجعل هذا فرقا بين الذمية وبين غيرها ; فإن الذمية لا تحمل زوجها على المقاتلة فظهر الفرق .

التأويل الثالث : أن الولد الذي يحدث ربما دعاه الكافر إلى الكفر فيصير الولد من أهل النار ، فهذا هو الدعوة إلى النار ( والله يدعو إلى الجنة ) حيث أمرنا بتزويج المسلمة حتى يكون الولد مسلما من أهل الجنة .

أما قوله تعالى : ( والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ) ففيه قولان :

القول الأول : أن المعنى : وأولياء الله يدعون إلى الجنة ، فكأنه قيل : أعداء الله يدعون إلى النار ، وأولياء الله يدعون إلى الجنة والمغفرة ، فلا جرم يجب على العاقل أن لا يدور حول المشركات اللاتي هن أعداء الله تعالى ، وأن ينكح المؤمنات فإنهن يدعون إلى الجنة والمغفرة .

والثاني : أنه سبحانه لما بين هذه الأحكام وأباح بعضها وحرم بعضها ، قال : ( والله يدعو إلى الجنة والمغفرة ) لأن من تمسك بها استحق الجنة والمغفرة .

أما قوله : ( بإذنه ) فالمعنى بتيسير الله وتوفيقه للعمل الذي يستحق به الجنة والمغفرة ، ونظيره قوله : ( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) [يونس : 100] وقوله : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) [آل عمران : 145] وقوله : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) [البقرة : 102] ، وقرأ الحسن " والمغفرة بإذنه " بالرفع ; أي : والمغفرة حاصلة بتيسيره .

أما قوله تعالى : ( ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) فمعناه ظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية