صفحة جزء
المسألة التاسعة : في تحقيق الكلام في الوسوسة على الوجه الذي قرره الشيخ الغزالي في كتاب الإحياء ، قال : " القلب مثل قبة لها أبواب تنصب إليها الأحوال من كل باب ، أو مثل هدف ترمى إليه السهام من كل جانب ، أو مثل مرآة منصوبة تجتاز عليها الأشخاص ، فتتراءى فيها صورة بعد صورة ، أو مثل حوض تنصب إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة ، واعلم أن مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب ساعة فساعة إما من الظاهر كالحواس الخمس ، وإما من البواطن كالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة في مزاج الإنسان ، فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب ، وكذا إذا هاجت الشهوة أو الغضب حصل من تلك الأحوال آثار في القلب ، وأما إذا منع الإنسان عن الإدراكات الظاهرة فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى ، وينتقل الخيال من شيء إلى شيء ، وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال ، فالقلب دائما في التغير والتأثر من هذه الأسباب ، وأخص الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ، وأعني بالخواطر ما يعرض فيه من الأفكار والأذكار ، وأعني بها إدراكات وعلوما إما على سبيل التجدد وإما على [ ص: 77 ] سبيل التذكر ، وإنما تسمى خواطر من حيث أنها تخطر بالخيال بعد أن كان القلب غافلا عنها ، فالخواطر هي المحركات للإرادات ، والإرادات محركة للأعضاء ، ثم هذه الخواطر المحركة لهذه الإرادات تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني إلى ما يضر في العاقبة - وإلى ما ينفع - أعني ما ينفع في العاقبة - فهما خاطران مختلفان ، فافتقرا إلى اسمين مختلفين ، فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ، والمذموم يسمى وسواسا ، ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر أحوال حادثة فلا بد لها من سبب ، والتسلسل محال ، فلا بد من انتهاء الكل إلى واجب الوجود ، وهذا ملخص كلام الشيخ الغزالي بعد حذف التطويلات منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية