صفحة جزء
[ ص: 80 ] المسألة الثانية عشرة : من الناس من أثبت لهذه الشياطين قدرة على الإحياء ، وعلى الإماتة وعلى خلق الأجسام ، وعلى تغيير الأشخاص عن صورتها الأصلية وخلقتها الأولية ، ومنهم من أنكر هذه الأحوال ، وقال : إنه لا قدرة لها على شيء من هذه الأحوال .

أما أصحابنا فقد أقاموا الدلالة على أن القدرة على الإيجاد والتكوين والإحداث ليست إلا لله ، فبطلت هذه المذاهب بالكلية .

وأما المعتزلة فقد سلموا أن الإنسان قادر على إيجاد بعض الحوادث ، فلا جرم صاروا محتاجين إلى بيان أن هذه الشياطين لا قدرة لها على خلق الأجسام والحياة ، ودليلهم أن قالوا : الشيطان جسم ، وكل جسم فإنه قادر بالقدرة ، والقدرة لا تصلح لإيجاد الأجسام ، فهذه مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى أن الشيطان جسم ، وقد بنوا هذه المقدمة على أن ما سوى الله تعالى إما متحيز وإما حال في المتحيز ، وليس لهم في إثبات هذه المقدمة شبهة فضلا عن حجة .

وأما المقدمة الثانية - وهي قولهم الجسم إنما يكون قادرا بالقدرة - فقد بنوا هذا على أن الأجسام مما تستلزم مماثلة ، فلو كان شيء منها قادرا لذاته لكان الكل قادرا لذاته ، وبناء هذه المقدمة على تماثل الأجسام .

وأما المقدمة الثالثة - وهي قولهم هذه القدرة التي لنا لا تصلح لخلق الأجسام فوجب أن لا تصلح القدرة الحادثة لخلق الأجسام - وهذا أيضا ضعيف ؛ لأنه يقال لهم لم لا يجوز حصول قدرة مخالفة لهذه القدرة الحاصلة لنا وتكون تلك القدرة صالحة لخلق الأجسام فإنه لا يلزم من عدم وجود الشيء في الحال امتناع وجوده ؟ فهذا إتمام الكلام في هذه المسألة .

التالي السابق


الخدمات العلمية