صفحة جزء
المسألة الثالثة : قال الشافعي : والتعريض كثير، وهو كقوله : رب راغب فيك، أو : من يجد مثلك؟ أو : لست بأيم ، و : إذا حللت فأدريني. وذكر سائر المفسرين من ألفاظ التعريض : إنك لجميلة وإنك لصالحة، وإنك لنافعة، وإن من عزمي أن أتزوج، وإني فيك لراغب.

أما قوله تعالى : ( أو أكننتم في أنفسكم ) فاعلم أن الإكنان : الإخفاء والستر ، قال الفراء : للعرب في أكننت الشيء ؛ أي سترته ، لغتان : كننته وأكننته في الكن وفي النفس بمعنى، ومنه : ( ما تكن صدورهم ) [ ص: 113 ] [القصص : 69] و ( بيض مكنون ) [الصافات : 49] وفرق قوم بينهما، فقالوا : كننت الشيء : إذا صنته حتى لا تصيبه آفة، وإن لم يكن مستورا ، يقال : در مكنون، وجارية مكنونة، وبيض مكنون : مصون عن التدحرج ، وأما أكننت فمعناه أضمرت، ويستعمل ذلك في الشيء الذي يخفيه الإنسان ويستره عن غيره، وهو ضد أعلنت وأظهرت، والمقصود من الآية أنه لا حرج في التعريض للمرأة في عدة الوفاة ولا فيما يضمره الرجل من الرغبة فيها .

فإن قيل : إن التعريض بالخطبة أعظم حالا من أن يميل قلبه إليها ولا يذكر شيئا ، فلما قدم جواز التعريض بالخطبة كان قوله بعد ذلك : ( أو أكننتم في أنفسكم ) جاريا مجرى إيضاح الواضحات.

قلنا : ليس المراد ما ذكرتم ، بل المراد منه أنه أباح التعريض وحرم التصريح في الحال، ثم قال : ( أو أكننتم في أنفسكم ) والمراد أنه يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك في المستقبل، فالآية الأولى إباحة للتعريض في الحال، وتحريم للتصريح في الحال، والآية الثانية إباحة لأن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك بعد انقضاء زمان العدة، ثم إنه تعالى ذكر الوجه الذي لأجله أباح ذلك، فقال : ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) لأن شهوة النفس إذا حصلت في باب النكاح لا يكاد يخلو ذلك المشتهي من العزم والتمني، فلما كان دفع هذا الخاطر كالشيء الشاق أسقط تعالى عنه هذا الحرج وأباح له ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية