صفحة جزء
ثم قال تعالى : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) وفيه سؤالان :

السؤال الأول : أين المستدرك بقوله تعالى : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) ؟

الجواب : هو محذوف لدلالة ( ستذكرونهن ) عليه، تقديره : ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) فاذكروهن ( ولكن لا تواعدوهن ) .

السؤال الثاني : ما معنى السر؟

والجواب : أن السر ضد الجهر والإعلان، فيحتمل أن يكون السر هاهنا صفة المواعدة على شيء، ولا تواعدوهن مواعدة سرية ، ويحتمل أن يكون صفة للموعود به على معنى : ولا تواعدوهن بالشيء الذي يكون موصوفا بوصف كونه سرا، أما على التقدير الأول - وهو أظهر التقديرين - فالمواقعة بين الرجل وبين المرأة على وجه السر لا تنفك ظاهرا عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات، وهاهنا احتمالات :

الأول : أن يواعدها في السر بالنكاح فيكون المعنى أن أول الآية إذن في التعريض بالخطبة ، وآخر الآية منع عن التصريح بالخطبة .

الثاني : أن يواعدها بذكر الجماع والرفث؛ لأن ذكر ذلك بين الأجنبي والأجنبية غير جائز، قال تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلا تخضعن بالقول ) [الأحزاب : 32] أي : لا تقلن من أمر الرفث شيئا ( فيطمع الذي في قلبه مرض ) [الأحزاب : 32] .

الثالث : قال الحسن : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) بالزنا ، طعن القاضي في هذا الوجه وقال : إن المواعدة محرمة بالإطلاق ، فحمل الكلام على ما يخص به الخاطب حال العدة أولى.

والجواب : روى الحسن أن الرجل يدخل على المرأة وهو يعرض بالنكاح فيقول لها : دعيني أجامعك ، فإذا أتممت عدتك أظهرت نكاحك. فالله تعالى نهى عن ذلك .

الرابع : أن يكون ذلك نهيا عن أن يسار الرجل المرأة الأجنبية؛ لأن ذلك يورث نوع ريبة فيها .

الخامس : أن يعاهدها بأن لا يتزوج أحدا سواها.

أما إذا حملنا السر على الموعود به ففيه وجوه :

الأول : السر : الجماع ، قال امرؤ القيس :

[ ص: 114 ]


وأن لا يشهد السر أمثالي

وقال الفرزدق :

موانع للأسرار إلا من أهلها     ويخلفن ما ظن الغيور المشغف



أي الذي شغفه بهن، يعني أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد لا يصف نفسه لها فيقول : آتيك الأربعة والخمسة .

الثاني : أن يكون المراد من السر النكاح؛ وذلك لأن الوطء يسمى سرا والنكاح سببه ، وتسمية الشيء باسم سببه جائز.

أما قوله تعالى : ( إلا أن تقولوا قولا معروفا ) ففيه سؤال، وهو أنه تعالى بأي شيء علق هذا الاستثناء.

وجوابه : أنه تعالى لما أذن في أول الآية بالتعريض، ثم نهى عن المسارة معها دفعا للريبة والغيبة ، استثنى منه أن يساررها بالقول المعروف، وذلك أن يعدها في السر بالإحسان إليها والاهتمام بشأنها والتكفل بمصالحها، حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض ، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية