صفحة جزء
المسألة السادسة : اختلفوا في الخوف الذي يفيد هذه الرخصة ؛ وطريق الضبط أن نقول : الخوف إما أن يكون في القتال ، أو في غير القتال ، أما الخوف في القتال فإما أن يكون في قتال واجب ، أو مباح ، أو محظور ، أما القتال الواجب فهو كالقتال مع الكفار وهو الأصل في صلاة الخوف ، وفيه نزلت الآية ، ويلتحق به قتال أهل البغي ، قال تعالى : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) [ الحجرات : 9 ] وأما القتال المباح فقد قال القاضي أبو المحاسن الطبري في كتاب شرح المختصر : إن دفع الإنسان عن نفسه مباح غير واجب بخلاف ما إذا قصد الكافر نفسه ، فإنه يجب الدفع ؛ لئلا يكون إخلالا بحق الإسلام .

إذا عرفت هذا فنقول : أما القتال في الدفع عن النفس وفي الدفع عن كل حيوان محترم ، فإنه يجوز فيه صلاة الخوف ، أما قصد أخذ ماله ، أو إتلاف حاله ، فهل له أن يصلي صلاة شدة الخوف ، فيه قولان :

الأصح أن يجوز ، واحتج الشافعي بقوله عليه السلام : " من قتل دون ماله فهو شهيد " فدل هذا على أن الدفع عن [ ص: 133 ] المال كالدفع عن النفس .

والثاني : لا يجوز لأن حرمة الزوج أعظم ، أما القتال المحظور فإنه لا تجوز فيه صلاة الخوف ، لأن هذا رخصة والرخصة إعانة ، والعاصي لا يستحق الإعانة ، أما الخوف الحاصل لا في القتال ، كالهارب من الحرق والغرق والسبع وكذا المطالب بالدين إذا كان معسرا خائفا من الحبس ، عاجزا عن بينة الإعسار ، فلهم أن يصلوا هذه الصلاة ، لأن قوله تعالى : ( فإن خفتم ) مطلق يتناول الكل .

فإن قيل : قوله : ( فرجالا أو ركبانا ) يدل على أن المراد منه الخوف من العدو حال المقاتلة .

قلنا : هب أنه كذلك إلا أنه لما ثبت هناك دفعا للضرر ، وهذا المعنى قائم ههنا ، فوجب أن يكون ذلك الحكم مشروعا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية