صفحة جزء
أما قوله تعالى : ( فيضاعفه له ) ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : في قوله : ( فيضاعفه ) أربع قراءات :

أحدها : قرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي ( فيضاعفه) بالألف والرفع .

والثاني : قرأ عاصم ( فيضاعفه ) بألف والنصب .

والثالث : قرأ ابن كثير ( فيضعفه ) بالتشديد والرفع بلا ألف .

والرابع : قرأ ابن عامر ( فيضعفه ) بالتشديد والنصب .

فنقول : أما التشديد والتخفيف فهما لغتان ، ووجه الرفع العطف على يقرض ، ووجه النصب أن يحمل الكلام على المعنى ، لا على اللفظ ؛ لأن المعنى يكون قرضا فيضاعفه ، والاختيار الرفع ؛ لأن فيه معنى الجزاء ، وجواب الجزاء بالفاء لا يكون إلا رفعا .

المسألة الثانية : التضعيف والإضعاف والمضاعفة واحد ، وهو الزيادة على أصل الشيء حتى يبلغ مثلين أو أكثر ، وفي الآية حذف ، والتقدير : فيضاعف ثوابه .

أما قوله تعالى : ( له أضعافا كثيرة ) فمنهم من ذكر فيه قدرا معينا ، وأجود ما يقال فيه : إنه القدر المذكور في قوله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ) [ البقرة : 261 ] فيقال يحمل المجمل على المفسر ؛ لأن كلتا الآيتين وردتا في الإنفاق ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه تعالى لم يقتصر في هذه الآية على التحديد ، بل قال بعده : ( والله يضاعف لمن يشاء ) [ البقرة : 261 ] .

والقول الثاني : وهو الأصح واختيار السدي : أن هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو وكم هو ؟ وإنما أبهم تعالى ذلك لأن ذكر المبهم في باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود .

أما قوله تعالى : ( والله يقبض ويبسط ) ففي بيان أن هذا كيف يناسب ما تقدم وجوه :

أحدها : أن المعنى أنه تعالى لما كان هو القابض الباسط ، فإن كان تقدير هذا الذي أمر بإنفاق المال الفقر ؛ فلينفق المال في سبيل الله ، فإنه سواء أنفق أو لم ينفق فليس له إلا الفقر ، وإن كان تقديره الغنى ؛ فلينفق فإنه سواء أنفق أو لم ينفق ، فليس له إلا الغنى والسعة وبسط اليد ، فعلى كلا التقديرين يكون إنفاق المال في سبيل الله أولى .

وثانيها : أن الإنسان إذا علم أن القبض والبسط بالله ، انقطع نظره عن مال الدنيا ، وبقي اعتماده على الله ، فحينئذ يسهل عليه إنفاق المال في سبيل مرضاة الله تعالى .

وثالثها : أنه تعالى يوسع عن عباده ويقتر ، فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم ، لئلا يبدل السعة الحاصلة لكم بالضيق .

ورابعها : أنه تعالى لما أمرهم بالصدقة وحثهم عليها أخبر أنه لا يمكنهم ذلك إلا بتوفيقه وإعانته ، فقال : ( والله يقبض ويبسط ) يعني يقبض القلوب حتى لا [ ص: 144 ] تقدم على هذه الطاعة ، ويبسط بعضها حتى يقدم على هذه الطاعة ، ثم قال : ( وإليه ترجعون ) والمراد به إلى حيث لا حاكم ولا مدبر سواه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية