صفحة جزء
( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون )

قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون )

اعلم أن أصعب الأشياء على الإنسان بذل النفس في القتال ، وبذل المال في الإنفاق ، فلما قدم الأمر بالقتال أعقبه بالأمر بالإنفاق ، وأيضا فيه وجه آخر ، وهو أنه تعالى أمر بالقتال فيما سبق بقوله : ( وقاتلوا في سبيل الله ) [ البقرة : 190 ] ثم أعقبه بقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) [ البقرة : 245 ] والمقصود منه إنفاق المال في الجهاد ، ثم إنه مرة ثانية أكد الأمر بالقتال وذكر فيه قصةطالوت ، ثم أعقبه بالأمر بالإنفاق في الجهاد ، وهو قوله : ( ياأيها الذين آمنوا أنفقوا ) .

إذا عرفت وجه النظم فنقول : في الآية مسائل :

المسألة الأولى : المعتزلة احتجوا على أن الرزق لا يكون إلا حلالا بقوله : ( أنفقوا مما رزقناكم ) فنقول : الله تعالى أمر بالإنفاق من كل ما كان رزقا بالإجماع أما ما كان حراما فإنه لا يجوز إنفاقه ، وهذا يفيد القطع بأن الرزق لا يكون حراما ، والأصحاب قالوا : ظاهر الآية وإن كان يدل على الأمر بإنفاق كل ما كان رزقا إلا أنا نخصص هذا الأمر بإنفاق كل ما كان رزقا حلالا .

المسألة الثانية : اختلفوا في أن قوله : ( أنفقوا ) مختص بالإنفاق الواجب كالزكاة ، أم هو عام في كل الإنفاقات ؛ سواء كانت واجبة أو مندوبة ، فقال الحسن : هذا الأمر مختص بالزكاة ، قال : لأن قوله : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ) كالوعد والوعيد لا يتوجه إلا على الواجب ، وقال الأكثرون : هذا الأمر يتناول الواجب والمندوب ، وليس في الآية وعيد ، فكأنه قيل : حصلوا منافع الآخرة حين تكونون في الدنيا ، فإنكم [ ص: 175 ] إذا خرجتم من الدنيا لا يمكنكم تحصيلها واكتسابها في الآخرة .

والقول الثالث : أن المراد منه الإنفاق في الجهاد : والدليل عليه أنه مذكور بعد الأمر بالجهاد ، فكان المراد منه الإنفاق في الجهاد ، وهذا قول الأصم .

المسألة الثالثة : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ( لا بيع ولا خلة ولا شفاعة ) بالنصب ، وفي سورة إبراهيم عليه السلام ( لا بيع فيه ولا خلال ) [ إبراهيم : 31 ] وفي الطور ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) [ الطور : 23 ] والباقون جميعا بالرفع ، والفرق بين النصب والرفع قد ذكرناه في قوله : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ) [ البقرة : 197 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية