أما قوله تعالى : ( 
ولا تيمموا الخبيث   ) ففيه مسألتان : 
المسألة الأولى : يقال : أممته ، ويممته ، وتأممته ، كله بمعنى قصدته ، قال 
الأعشى    : 
تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمه ذي شرف 
المسألة الثانية : قرأ 
ابن كثير  وحده " ولا تيمموا " بتشديد التاء ؛ لأنه كان في الأصل تاءان تاء المخاطبة ، وتاء الفعل ، فأدغم إحداهما في الأخرى ، والباقون بفتح التاء مخففة . وعلى هذا، الخلاف في أخواتها ، وهي ثلاثة وعشرون موضعا : لا تفرقوا ، توفاهم ، تعاونوا ، فتفرق بكم ، تلقف ، تولوا ، تنازعوا ، تربصون ، فإن تولوا ، لا تكلم ، تلقونه ، تبرجن ، تبدل ، تناصرون ، تجسسوا ، تنابزوا ، لتعارفوا ، تميز ، تخيرون ، تلهى ، تلظى ، تنزل الملائكة ، وههنا بحثان : 
البحث الأول : قال 
أبو علي    : هذا الإدغام غير جائز ؛ لأن المدغم يسكن ، وإذا سكن لزم أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به ، كما جلبت في أمثلة الماضي نحو : ادارأتم ، وارتبتم ، واطيرنا ، لكن أجمعوا على أن 
همزة الوصل لا تدخل على المضارع   .  
[ ص: 56 ] البحث الثاني : اختلفوا في التاء المحذوفة على قراءة العامة ، فقال بعضهم : هي التاء الأولى ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه  لا يسقط إلا الثانية ، 
والفراء  يقول : أيهما أسقطت جاز لنيابة الباقية عنها . 
أما قوله تعالى : ( 
منه تنفقون   ) . 
فاعلم أن في كيفية نظم الآية وجهين : 
الأول : أنه تم الكلام عند قوله : ( 
ولا تيمموا الخبيث   ) ثم ابتدأ ، فقال : ( 
منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه   ) فقوله : ( 
منه تنفقون   ) استفهام على سبيل الإنكار ، والمعنى : أمنه تنفقون مع أنكم لستم بآخذيه إلا مع الإغماض ؟ . 
والثاني : أن الكلام إنما يتم عند قوله : ( 
إلا أن تغمضوا فيه   ) ويكون الذي مضمرا ، والتقدير : ولا تيمموا الخبيث منه الذي تنفقونه ولستم بآخذيه إلا بإغماض فيه ، ونظيره إضمار التي في قوله تعالى : ( 
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها   ) [البقرة : 256] والمعنى الوثقى التي لا انفصام لها . 
أما قوله تعالى : ( 
ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه   ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : 
الإغماض في اللغة غض البصر وإطباق جفن على جفن ، وأصله من الغموض ، وهو الخفاء ، يقال : هذا الكلام غامض أي : خفي الإدراك . والغمض المتطامن الخفي من الأرض . 
المسألة الثانية : في معنى الإغماض في هذه الآية وجوه : 
الأول : أن المراد بالإغماض ههنا المساهلة ، وذلك لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه لئلا يرى ذلك ، ثم كثر ذلك حتى جعل كل تجاوز ومساهلة في البيع وغيره إغماضا ، فقوله : ( 
ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه   ) يقول : لو أهدي إليكم مثل هذه الأشياء لما أخذتموها إلا على استحياء وإغماض ، فكيف ترضون لي ما لا ترضونه لأنفسكم ؟! . 
والثاني : أن يحمل الإغماض على المتعدي كما تقول : أغمضت بصر الميت وغمضته ، والمعنى ولستم بآخذيه إلا إذا أغمضتم بصر البائع ، يعني أمرتموه بالإغماض والحط من الثمن . 
ثم ختم الآية بقوله : ( 
واعلموا أن الله غني حميد   ) والمعنى أنه 
غني عن صدقاتكم ، ومعنى "حميد" أي : محمود على ما أنعم بالبيان . وفيه وجه آخر ، وهو أن قوله : ( 
غني   ) كالتهديد على إعطاء الأشياء الرديئة في الصدقات ، و ( 
حميد   ) بمعنى حامد أي : أنا أحمدكم على ما تفعلونه من الخيرات ، وهو كقوله : ( 
فأولئك كان سعيهم مشكورا   ) [الإسراء : 19] .