صفحة جزء
المسألة الثالثة : قرأ حمزة ( وكتابه ) على الواحد ، والباقون ( كتبه ) على الجمع ، أما الأول ففيه وجهان :

[ ص: 117 ] أحدهما : أن المراد هو القرآن ثم الإيمان به ويتضمن الإيمان بجميع الكتب والرسل ، والثاني : على معنى الجنس فيوافق معنى الجمع ، ونظيره قوله تعالى : ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ) [ البقرة : 213 ].

فإن قيل : اسم الجنس إنما يفيد العموم إذا كان مقرونا بالألف واللام ، وهذه مضافة .

قلنا : قد جاء المضاف من الأسماء ونعني به الكثرة ، قال الله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] وقال الله تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) [ البقرة : 187 ] وهذا الإحلال شائع في جميع الصيام ، قال العلماء : والقراءة بالجمع أفضل لمشاكلة ما قبله وما بعده من لفظ الجمع ولأن أكثر القراءة عليه ، واعلم أن القراء أجمعوا في قوله : ( ورسله ) على ضم السين ، وعن أبي عمرو سكونها ، وعن نافع ( وكتبه ورسله ) مخففين ، وحجة الجمهور أن أصل الكلمة على فعل بضم العين ، وحجة أبي عمرو هي أن لا تتوالى أربع متحركات ؛ لأنهم كرهوا ذلك ، ولهذا لم تتوال هذه الحركات في شعر إلا أن يكون مزاحفا ، وأجاب الأولون أن ذلك مكروه في الكلمة الواحدة أما في الكلمتين فلا بدليل أن الإدغام غير لازم في ( وجعل ) ذلك مع أنه قد توالى فيه خمس متحركات ، والكلمة إذا اتصل بها ضمير فهي كلمتان لا كلمة واحدة .

المسألة الرابعة : قوله : ( لا نفرق بين أحد من رسله ) فيه محذوف ، والتقدير : يقولون لا نفرق بين أحد من رسله كقوله ( والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا ) [ الأنعام : 93 ] معناه يقولون : أخرجوا وقال : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله ) [ الزمر : 3 ] أي قالوا هذا .

المسألة الخامسة : قرأ أبو عمرو ( يفرق ) بالياء على أن الفعل لكل ، وقرأ عبد الله ( لا يفرقون ) .

المسألة السادسة : " أحد " في معنى الجمع ، كقوله ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) [ الحاقة : 47 ] والتقدير : لا نفرق بين جميع رسله ، هذا هو الذي قالوه ، وعندي أنه لا يجوز أن يكون أحد ههنا في معنى الجمع ؛ لأنه يصير التقدير : لا نفرق بين جميع رسله ، وهذا لا ينافي كونهم مفرقين بين بعض الرسل والمقصود بالنفي هو هذا ؛ لأن اليهود والنصارى ما كانوا يفرقون بين كل الرسل ، بل بين البعض وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فثبت أن التأويل الذي ذكروه باطل ، بل معنى الآية : لا نفرق بين أحد من الرسل ، وبين غيره في النبوة ، فإذا فسرناه بهذا حصل المقصود من الكلام ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية