المسألة الثالثة : في حكاية 
أقوال الناس في المحكم والمتشابه فالأول : ما نقل عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما أنه قال : المحكمات هي الثلاث آيات التي في سورة الأنعام ( 
قل تعالوا   ) [ الأنعام : 151 ] إلى آخر الآيات الثلاث ، والمتشابهات هي التي تشابهت على 
اليهود  ، وهي أسماء حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور ، وذلك أنهم أولوها على حساب الجمل فطلبوا أن يستخرجوا منها مدة بقاء هذه الأمة فاختلط الأمر عليهم واشتبه ، وأقول : 
التكاليف الواردة من الله تعالى تنقسم إلى قسمين منها ما لا يجوز أن يتغير بشرع وشرع ، وذلك كالأمر بطاعة الله تعالى ، والاحتراز عن الظلم والكذب والجهل وقتل النفس بغير حق ، ومنها ما يختلف بشرع وشرع كأعداد الصلوات ومقادير الزكوات وشرائط البيع والنكاح وغير ذلك ، فالقسم الأول هو المسمى بالمحكم عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، لأن الآيات الثلاث في سورة الأنعام مشتملة على هذا القسم . 
وأما 
المتشابه فهو الذي سميناه بالمجمل ، وهو ما يكون دلالة اللفظ بالنسبة إليه وإلى غيره على السوية ، فإن دلالة هذه الألفاظ على جميع الوجوه التي تفسر هذه الألفاظ بها على السوية لا بدليل منفصل على ما لخصناه في أول سورة البقرة .  
[ ص: 148 ] القول الثاني : وهو أيضا مروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما أن المحكم هو الناسخ ، والمتشابه هو المنسوخ   . 
والقول الثالث : قال 
الأصم    : 
المحكم هو الذي يكون دليله واضحا لائحا ، مثل ما أخبر الله تعالى به من إنشاء الخلق في قوله تعالى : ( 
خلقنا النطفة علقة   ) [ المؤمنون : 14 ] وقوله ( 
وجعلنا من الماء كل شيء حي   ) [ الأنبياء : 30 ] وقوله ( 
وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم   ) [ البقرة : 22 ] والمتشابه ما يحتاج في معرفته إلى التدبر والتأمل نحو الحكم بأنه تعالى يبعثهم بعد أن صاروا ترابا ولو تأملوا لصار المتشابه عندهم محكما ; لأن من قدر على الإنشاء أولا قدر على الإعادة ثانيا   . 
واعلم أن كلام 
الأصم  غير ملخص ، فإنه إن عنى بقوله : المحكم ما يكون دلائله واضحة أن المحكم هو الذي يكون دلالة لفظه على معناه متعينة راجحة ، والمتشابه ما لا يكون كذلك ، وهو إما المجمل المتساوي ، أو المؤول المرجوح ، فهذا هو الذي ذكرناه أولا ، وإن عنى به أن المحكم هو الذي يعرف صحة معناه من غير دليل ، فيصير المحكم على قوله ما يعلم صحته بضرورة العقل ، والمتشابه ما يعلم صحته بدليل العقل ، وعلى هذا يصير جملة القرآن متشابها ، لأن قوله ( 
خلقنا النطفة علقة   ) [ المؤمنون : 14 ] أمر يحتاج في معرفة صحته إلى الدلائل العقلية ، وإن أهل الطبيعة يقولون : السبب في ذلك الطبائع والفصول ، أو تأثيرات الكواكب ، وتركيبات العناصر وامتزاجاتها ، فكما أن إثبات الحشر والنشر مفتقر إلى الدليل ، فكذلك إسناد هذه الحوادث إلى الله تعالى مفتقر إلى الدليل ، ولعل 
الأصم  يقول : هذه الأشياء وإن كانت كلها مفتقرة إلى الدليل ، إلا أنها تنقسم إلى ما يكون الدليل فيه ظاهرا بحيث تكون مقدماته قليلة مرتبة مبينة يؤمن الغلط معها إلا نادرا ، ومنها ما يكون الدليل فيه خفيا كثير المقدمات غير مرتبة فالقسم الأول : هو المحكم والثاني : هو المتشابه . 
القول الرابع : أن كل ما أمكن تحصيل العلم به سواء كان ذلك بدليل جلي ، أو بدليل خفي ، فذاك هو المحكم ، وكل ما لا سبيل إلى معرفته فذاك هو المتشابه ، وذلك كالعلم بوقت قيام الساعة ، والعلم بمقادير الثواب والعقاب في حق المكلفين ، ونظيره قوله تعالى : ( 
يسألونك عن الساعة أيان مرساها   ) [ الأعراف : 187 ]