( 
الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار   ) . 
قوله تعالى ( 
الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار   ) . 
وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : ( الصابرين ) قيل نصب على المدح بتقدير : أعني الصابرين ، وقيل : الصابرين في موضع جر على البدل من الذين . 
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر هاهنا صفات خمسة : 
الصفة الأولى : كونهم صابرين ، والمراد كونهم 
صابرين في أداء الواجبات والمندوبات وفي ترك المحظورات ، وكونهم 
صابرين في كل ما ينزل بهم من المحن والشدائد ، وذلك بأن لا يجزعوا بل يكونوا راضين في قلوبهم عن الله تعالى ، كما قال : ( 
الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون   ) [ البقرة : 156 ] قال سفيان بن عيينة في قوله ( 
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا   ) [ السجدة : 24 ] إن هذه الآية تدل على أنهم إنما استحقوا تلك 
الدرجات العالية من الله تعالى بسبب الصبر ، ويروى أنه وقف رجل على 
الشبلي  ، فقال : أي صبر أشد على الصابرين ؟ فقال : الصبر في الله تعالى ، فقال لا ، فقال : الصبر لله تعالى ، فقال لا ، فقال : الصبر مع الله تعالى ، قال لا ، قال فأيش ؟ قال : الصبر عن الله تعالى ، فصرخ 
الشبلي  صرخة كادت روحه تتلف   .  
[ ص: 176 ] وقد كثر 
مدح الله تعالى للصابرين ، فقال : ( 
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس   ) [ البقرة : 177 ] . 
الصفة الثانية : كونهم صادقين ، اعلم أن لفظ 
الصدق قد يجري على القول والفعل والنية ، فالصدق في القول مشهور ، وهو مجانبة الكذب ، والصدق في الفعل الإتيان به وترك الانصراف عنه قبل تمامه ، يقال : صدق فلان في القتال وصدق في الجملة ، ويقال في ضده : كذب في القتال ، وكذب في الجملة ، والصدق في النية إمضاء العزم والإقامة عليه حتى يبلغ الفعل . 
الصفة الثالثة : كونهم قانتين ، وقد فسرناه في قوله تعالى : ( 
وقوموا لله قانتين   ) [ البقرة : 238 ] وبالجملة فهو عبارة عن 
الدوام على العبادة والمواظبة عليها   . 
الصفة الرابعة : كونهم منفقين ويدخل فيه إنفاق المرء على نفسه وأهله وأقاربه وصلة رحمه وفي الزكاة والجهاد وسائر وجوه البر . 
الصفة الخامسة : كونهم مستغفرين بالأسحار ، والسحر الوقت الذي قبل طلوع الفجر ، وتسحر إذا أكل في ذلك الوقت ، واعلم أن المراد منه من يصلي بالليل ثم يتبعه بالاستغفار والدعاء لأن الإنسان لا يشتغل بالدعاء والاستغفار إلا أن يكون قد صلى قبل ذلك فقوله ( 
والمستغفرين بالأسحار   ) يدل على أنهم كانوا قد صلوا بالليل . واعلم أن 
الاستغفار بالسحر له مزيد أثر في قوة الإيمان وفي كمال العبودية من وجوه : 
الأول : أن في وقت السحر يطلع نور الصبح بعد أن كانت الظلمة شاملة للكل ، وبسبب طلوع نور الصبح كأن الأموات يصيرون أحياء ، فهناك وقت الجود العام والفيض التام ، فلا يبعد أن يكون عند طلوع صبح العالم الكبير يطلع صبح العالم الصغير ، وهو ظهور نور جلال الله تعالى في القلب . 
والثاني : أن وقت السحر أطيب أوقات النوم ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة ، وأقبل على العبودية ، كانت الطاعة أكمل . والثالث : نقل عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    ( 
والمستغفرين بالأسحار   ) يريد المصلين صلاة الصبح . 
المسألة الثالثة : قوله ( 
الصابرين والصادقين   ) أكمل من قوله : الذين يصبرون ويصدقون ، لأن قوله ( 
الصابرين   ) يدل على أن هذا المعنى عادتهم وخلقهم ، وأنهم لا ينفكون عنها .