صفحة جزء
وأما قوله تعالى : ( اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) ففيه سؤالات :

السؤال الأول : المسيح : هل هو اسم مشتق ، أو موضوع ؟ .

والجواب : فيه قولان :

الأول : قال أبو عبيدة والليث : أصله بالعبرانية مشيحا ، فعربته العرب وغيروا لفظه ، وعيسى : أصله يشوع كما قالوا في موسى : أصله موشى ، أو ميشا بالعبرانية ، وعلى هذا القول لا يكون له اشتقاق .

[ ص: 44 ] والقول الثاني : أنه مشتق وعليه الأكثرون ، ثم ذكروا فيه وجوها :

الأول : قال ابن عباس : إنما سمي عيسى - عليه السلام - مسيحا ، لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ من مرضه .

الثاني : قال أحمد بن يحيى : سمي مسيحا لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها ، ومنه مساحة أقسام الأرض ، وعلى هذا المعنى يجوز أن يقال : لعيسى مسيح بالتشديد على المبالغة كما يقال للرجل فسيق وشريب .

الثالث : أنه كان مسيحا ؛ لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى ، فعلى هذه الأقوال : هو فعيل بمعنى : فاعل ، كرحيم بمعنى : راحم .

الرابع : أنه مسح من الأوزار والآثام .

والخامس : سمي مسيحا لأنه ما كان في قدمه خمص ، فكان ممسوح القدمين .

والسادس : سمي مسيحا ؛ لأنه كان ممسوحا بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء ، ولا يمسح به غيرهم . ثم قالوا : وهذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبيا .

السابع : سمي مسيحا ؛ لأنه مسحه جبريل - صلى الله عليه وسلم - بجناحه وقت ولادته ليكون ذلك صونا له عن مس الشيطان .

الثامن : سمي مسيحا ؛ لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن .

وعلى هذه الأقوال يكون المسيح ، بمعنى : الممسوح ، فعيل بمعنى : مفعول . قال أبو عمرو بن العلاء المسيح : الملك .

وقال النخعي : المسيح الصديق والله أعلم . ولعلهما قالا ذلك من جهة كونه مدحا لا لدلالة اللغة عليه .

وأما المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأحد وجهين :

أحدهما : لأنه ممسوح أحد العينين .

والثاني : أنه يمسح الأرض أي : يقطعها في المدة القليلة ، قالوا : ولهذا قيل له : دجال لضربه في الأرض ، وقطعه أكثر نواحيها ، يقال : قد دجل الدجال إذا فعل ذلك ، وقيل : سمي دجالا من قوله : دجل الرجل إذا موه ولبس .

السؤال الثاني : المسيح كان كاللقب له ، وعيسى كالاسم فلم قدم اللقب على الاسم ؟ .

الجواب : أن المسيح كاللقب الذي يفيد كونه شريفا رفيع الدرجة ، مثل الصديق والفاروق فذكره الله تعالى أولا بلقبه ليفيد علو درجته ، ثم ذكره باسمه الخاص .

السؤال الثالث : لم قال عيسى ابن مريم والخطاب مع مريم ؟ .

الجواب : لأن الأنبياء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات ، فلما نسبه الله تعالى إلى الأم دون الأب ، كان ذلك إعلاما لها بأنه محدث بغير الأب ، فكان ذلك سببا لزيادة فضله وعلو درجته .

السؤال الرابع : الضمير في قوله : اسمه عائد إلى الكلمة وهي مؤنثة فلم ذكر الضمير ؟ .

الجواب : لأن المسمى بها مذكر .

السؤال الخامس : لم قال اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، والاسم ليس إلا عيسى ، وأما المسيح فهو لقب ، وأما ابن مريم فهو صفة ؟ .

الجواب : الاسم علامة المسمى ومعرف له ، فكأنه قيل : الذي يعرف به هو مجموع هذه الثلاثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية