1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة آل عمران
  4. قوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده
صفحة جزء
( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون )

قوله تعالى : ( ياأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون )

اعلم أن اليهود كانوا يقولون : إن إبراهيم كان على ديننا ، والنصارى كانوا يقولون : كان إبراهيم على ديننا ، فأبطل الله عليهم ذلك بأن التوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعده ، فكيف يعقل أن يكون يهوديا أو نصرانيا ؟

فإن قيل : فهذا أيضا لازم عليكم لأنكم تقولون : إن إبراهيم كان على دين الإسلام ، والإسلام إنما أنزل بعده بزمان طويل ، فإن قلتم : إن المراد أن إبراهيم كان في أصول الدين على المذهب الذي عليه المسلمون الآن ، فنقول : فلم لا يجوز أيضا أن تقول اليهود : إن إبراهيم كان يهوديا بمعنى أنه كان على الدين الذي عليه [ ص: 78 ] اليهود ، وتقول النصارى إن إبراهيم كان نصرانيا بمعنى أنه كان على الدين الذي عليه النصارى ، فكون التوراة والإنجيل نازلين بعد إبراهيم لا ينافي كونه يهوديا أو نصرانيا بهذا التفسير ، كما أن كون القرآن نازلا بعده لا ينافي كونه مسلما .

والجواب : أن القرآن أخبر أن إبراهيم كان حنيفا مسلما ، وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا ، فظهر الفرق ، ثم نقول : أما أن النصارى ليسوا على ملة إبراهيم ، فالأمر فيه ظاهر ؛ لأن المسيح ما كان موجودا في زمن إبراهيم ، فما كانت عبادته مشروعة في زمن إبراهيم لا محالة ، فكان الاشتغال بعبادة المسيح مخالفة لملة إبراهيم لا محالة ، وأما أن اليهود ليسوا على ملة إبراهيم ، فذلك لأنه لا شك أنه كان لله سبحانه وتعالى تكاليف على الخلق قبل مجيء موسى عليه السلام ، ولا شك أن الموصل لتلك التكاليف إلى الخلق واحد من البشر ، ولا شك أن ذلك الإنسان قد كان مؤيدا بالمعجزات ، وإلا لم يجب على الخلق قبول تلك التكاليف منه فإذن قد كان قبل مجيء موسى أنبياء ، وكانت لهم شرائع معينة ، فإذا جاء موسى فإما أن يقال إنه جاء بتقرير تلك الشرائع أو بغيرهما ، فإن جاء بتقريرها لم يكن موسى صاحب تلك الشريعة ، بل كان كالفقيه المقرر لشرع من قبله ، واليهود لا يرضون بذلك ، وإن كان قد جاء بشرع آخر سوى شرع من تقدمه فقد قال بالنسخ ، فثبت أنه لا بد وأن يكون دين كل الأنبياء جواز القول بالنسخ واليهود ينكرون ذلك ، فثبت أن اليهود ليسوا على ملة إبراهيم ، فبطل قول اليهود والنصارى بأن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا ، فهذا هو المراد من الآية والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية