[ ص: 82 ] 
( 
يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون   ) 
قوله تعالى : ( 
ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون   ) 
اعلم أن علماء 
اليهود  والنصارى  كانت لهم حرفتان إحداهما : أنهم كانوا يكفرون 
بمحمد    - صلى الله عليه وسلم - مع أنهم كانوا يعلمون بقلوبهم أنه رسول حق من عند الله ، والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في الآية الأولى . 
وثانيتهما : أنهم كانوا يجتهدون في إلقاء الشبهات ، وفي إخفاء الدلائل والبينات ، والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في هذه الآية الثانية ، فالمقام الأول مقام الغواية والضلالة ، والمقام الثاني مقام الإغواء والإضلال ، وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرئ " تلبسون " بالتشديد ، وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب    " تلبسون " بفتح الباء ، أي تلبسون الحق مع الباطل ، كقوله عليه السلام : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012098كلابس ثوبي زور   " وقوله : 
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا 
المسألة الثانية : اعلم أن 
الساعي في إخفاء الحق لا سبيل له إلى ذلك إلا من أحد وجهين : 
إما بإلقاء شبهة تدل على الباطل ، وإما بإخفاء الدليل الذي يدل على الحق ، فقوله : ( 
لم تلبسون الحق بالباطل   ) إشارة إلى المقام الأول ، وقوله : ( 
وتكتمون الحق   ) إشارة إلى المقام الثاني ، أما لبس الحق بالباطل فإنه يحتمل هاهنا وجوها : 
أحدها : تحريف التوراة ، فيخلطون المنزل بالمحرف ، عن 
الحسن  وابن زيد    . 
وثانيها : أنهم تواضعوا على 
إظهار الإسلام أول النهار ، ثم الرجوع عنه في آخر النهار ، تشكيكا للناس ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وقتادة    . 
وثالثها : أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته - صلى الله عليه وسلم - من البشارة والنعت والصفة ويكون في التوراة أيضا ما يوهم خلاف ذلك ، فيكون كالمحكم والمتشابه فيلبسون على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر كما يفعله كثير من المشبهة ، وهذا قول القاضي . 
ورابعها : أنهم كانوا 
يقولون محمد  معترف بأن موسى    - عليه السلام - حق ، ثم إن التوراة دالة على أن شرع - موسى  عليه السلام - لا ينسخ وكل ذلك إلقاء للشبهات . 
أما قوله تعالى : ( 
وتكتمون الحق   ) ، فالمراد أن الآيات الموجودة في التوراة الدالة على نبوة 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - كان الاستدلال بها مفتقرا إلى التفكر والتأمل ، والقوم كانوا يجتهدون في إخفاء تلك الألفاظ التي كان بمجموعها يتم هذا الاستدلال مثل ما أن أهل البدعة في زماننا يسعون في أن لا يصل إلى عوامهم دلائل المحققين . 
أما قوله ( 
وأنتم تعلمون   ) ففيه وجوه : 
أحدها : أنكم تعلمون أنكم إنما تفعلون ذلك عنادا وحسدا . 
وثانيها : ( 
وأنتم تعلمون   ) أي أنتم أرباب العلم والمعرفة لا أرباب الجهل والخرافة . 
وثالثها : ( 
وأنتم تعلمون   ) أن عقاب من يفعل مثل هذه الأفعال عظيم . 
المسألة الثالثة : قال 
القاضي    : قوله تعالى : ( 
لم تكفرون   ) ، و ( 
لم تلبسون الحق بالباطل   ) دال على أن ذلك فعلهم ؛ لأنه لا يجوز أن يخلقه فيهم ، ثم يقول : لم فعلتم ؟ 
وجوابه : أن الفعل يتوقف على الداعية ، فتلك الداعية إن حدثت لا لمحدث لزم نفي الصانع ، وإن كان محدثها هو العبد افتقر إلى إرادة أخرى وإن كان محدثها هو الله تعالى لزمكم ما ألزمتموه علينا والله أعلم .