صفحة جزء
ثم قال تعالى : ( وأولئك هم المفلحون ) وقد سبق تفسيره ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : منهم من تمسك بهذه الآية في أن الفاسق ليس له أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قال : لأن هذه الآية تدل على أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من المفلحين ، والفاسق ليس من المفلحين ، فوجب أن يكون الآمر بالمعروف ليس بفاسق ، وأجيب عنه بأن هذا ورد على سبيل الغالب فإن الظاهر أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر لم يشرع فيه إلا بعد صلاح أحوال نفسه ، لأن العاقل يقدم مهم [ ص: 147 ] نفسه على مهم الغير ، ثم إنهم أكدوا هذا بقوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) [ البقرة : 44 ] قوله : ( لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 ، 3 ] ولأنه لو جاز ذلك لجاز لمن يزني بامرأة أن يأمرها بالمعروف في أنها لم كشفت وجهها ؟ ومعلوم أن ذلك في غاية القبح ، والعلماء قالوا : الفاسق له أن يأمر بالمعروف لأنه وجب عليه ترك ذلك المنكر ووجب عليه النهي عن ذلك المنكر ، فبأن ترك أحد الواجبين لا يلزمه ترك الواجب الآخر ، وعن السلف : مروا بالخير وإن لم تفعلوا ، وعن الحسن أنه سمع مطرف بن عبد الله يقول : لا أقول ما لا أفعل ، فقال : وأينا يفعل ما يقول ؟ ود الشيطان لو ظفر بهذه الكلمة منكم فلا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن المنكر .

المسألة الثانية : عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر كان خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه " وعن علي رضي الله عنه : أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال أيضا : من لم يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا نكس وجعل أعلاه أسفله ، وروى الحسن عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر تعيشوا بخير ، وعن الثوري : إذا كان الرجل محببا في جيرانه محمودا عند إخوانه فاعلم أنه مداهن .

المسألة الثالثة : قال الله سبحانه وتعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ) [ الحجرات : 9 ] قدم الإصلاح على القتال ، وهذا يقتضي أن يبدأ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأرفق مترقيا إلى الأغلظ فالأغلظ ، وكذا قوله تعالى : ( واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) [ النساء : 34 ] يدل على ما ذكرناه ، ثم إذا لم يتم الأمر بالتغليظ والتشديد وجب عليه القهر باليد ، فإن عجز فباللسان ، فإن عجز فبالقلب ، وأحوال الناس مختلفة في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية