ثم قال تعالى : ( 
أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم   ) وفيه سؤال : وهو أن يقال : لم لم يقتصر على قوله : ( 
أصابت حرث قوم   ) وما الفائدة في قوله : ( 
ظلموا أنفسهم   ) . 
قلنا : في تفسير قوله : ( 
ظلموا أنفسهم   ) وجهان الأول : أنهم عصوا الله فاستحقوا هلاك حرثهم عقوبة لهم ، والفائدة في ذكره هي أن الغرض تشبيه ما ينفقون بشيء يذهب بالكلية حتى لا يبقى منه شيء ، 
وحرث الكافرين الظالمين هو الذي يذهب بالكلية ولا يحصل منه منفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما حرث المسلم المؤمن فلا يذهب بالكلية لأنه وإن كان يذهب صورة فلا يذهب معنى ، لأن الله تعالى يزيد في ثوابه لأجل وصول تلك الأحزان إليه . والثاني : أن يكون المراد من قوله : ( 
ظلموا أنفسهم   ) هو أنهم زرعوا في غير موضع الزرع أو في غير وقته ، لأن 
الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وعلى هذا التفسير يتأكد وجه التشبيه ، فإن من زرع لا في موضعه ولا في وقته يضيع ، ثم إذا أصابته الريح الباردة كان أولى بأن يصير ضائعا ، فكذا هاهنا الكفار لما أتوا بالإنفاق لا في موضعه ولا في وقته ثم أصابه شؤم كفرهم امتنع أن لا يصير ضائعا ، والله أعلم . 
ثم قال تعالى : ( 
وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون   ) والمعنى أن الله تعالى ما ظلمهم حيث لم يقبل نفقاتهم ، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث أتوا بها مقرونة بالوجوه المانعة من كونها مقبولة لله تعالى قال صاحب " الكشاف " : قرئ ( ولكن ) بالتشديد بمعنى ولكن أنفسهم يظلمونها ، ولا يجوز أن يراد ، ولكنه أنفسهم يظلمون على إسقاط ضمير الشأن ، لأنه لا يجوز إلا في الشعر .