1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة آل عمران
  4. قوله تعالى إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين
صفحة جزء
المسألة الثالثة : أجمع أهل التفسير والسير أن الله تعالى أنزل الملائكة يوم بدر وأنهم قاتلوا الكفار ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم تقاتل الملائكة سوى يوم بدر وفيما سواه كانوا عددا ومددا لا يقاتلون ولا يضربون ، وهذا قول الأكثرين ، وأما أبو بكر الأصم ، فإنه أنكر ذلك أشد الإنكار ، واحتج عليه بوجوه :

الحجة الأولى : إن الملك الواحد يكفي في إهلاك الأرض ، ومن المشهور أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت المدائن الأربع لقوم لوط وبلغ جناحه إلى الأرض السابعة ، ثم رفعها إلى السماء وقلب عاليها سافلها ، فإذا حضر هو يوم بدر ، فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار ؟ ثم بتقدير حضوره ، فأي فائدة في إرسال سائر الملائكة ؟

الحجة الثانية : أن أكابر الكفار كانوا مشهورين وكل واحد منهم مقابله من الصحابة معلوم وإذا كان كذلك امتنع إسناد قتله إلى الملائكة .

الحجة الثالثة : الملائكة لو قاتلوا لكانوا إما أن يصيروا بحيث يراهم الناس أو لا يراهم الناس فإن رآهم الناس فإما أن يقال إنهم رأوهم في صورة الناس أو في غير صورة الناس ، فإن كان الأول فعلى هذا التقدير صار المشاهد من عسكر الرسول ثلاثة آلاف ، أو أكثر ، ولم يقل أحد بذلك ، ولأن هذا على خلاف قوله تعالى : ( ويقللكم في أعينهم ) [ الأنفال : 44 ] وإن شاهدوهم في صورة غير صور الناس لزم وقوع الرعب الشديد في قلوب الخلق ، فإن من شاهد الجن لا شك أنه يشتد فزعه ولم ينقل ذلك ألبتة .

وأما القسم الثاني : وهو أن الناس ما رأوا الملائكة فعلى هذا التقدير : إذا حاربوا وحزوا الرءوس ، ومزقوا البطون وأسقطوا الكفار عن الأفراس ، فحينئذ الناس كانوا يشاهدون حصول هذه الأفعال مع أنهم ما كانوا شاهدوا أحدا من الفاعلين ، ومثل هذا يكون من أعظم المعجزات ، وحينئذ يجب أن يصير الجاحد لمثل هذه الحالة كافرا متمردا ، ولما لم يوجد شيء من ذلك عرف فساد هذا القسم أيضا .

الحجة الرابعة : أن هؤلاء الملائكة الذين نزلوا ، إما أن يقال : إنهم كانوا أجساما كثيفة أو لطيفة ، فإن كان الأول وجب أن يراهم الكل وأن تكون رؤيتهم كرؤية غيرهم ، ومعلوم أن الأمر ما كان كذلك ، وإن كانوا أجساما لطيفة دقيقة مثل الهواء لم يكن فيهم صلابة وقوة ، ويمتنع كونهم راكبين على الخيول ، وكل ذلك مما ترونه .

واعلم أن هذه الشبهة إنما تليق بمن ينكر القرآن والنبوة ، فأما من يقر بهما فلا يليق به شيء من هذه الكلمات ، فما كان يليق بأبي بكر الأصم إنكار هذه الأشياء مع أن نص القرآن ناطق بها وورودها في الأخبار قريب من التواتر ، روى عبد الله بن عمر قال : لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا ، ويقولون : لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر ، والشبهة المذكورة إذا قابلناها [ ص: 187 ] بكمال قدرة الله تعالى زالت وطاحت فإنه تعالى يفعل ما يشاء لكونه قادرا على جميع الممكنات ويحكم ما يريد لكونه منزها عن الحاجات .

التالي السابق


الخدمات العلمية