1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة آل عمران
  4. قوله تعالى لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم
صفحة جزء
( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )

قوله تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )

اعلم أن في وجه النظم وجوها :

الأول : أنه تعالى لما بين خطأ من نسبه إلى الغلول والخيانة أكد ذلك بهذه الآية ، وذلك لأن هذا الرسول ولد في بلدهم ونشأ فيما بينهم ، ولم يظهر منه طول عمره إلا الصدق والأمانة والدعوة إلى الله والإعراض عن الدنيا ، فكيف يليق بمن هذا حاله الخيانة .

الوجه الثاني : أنه لما بين خطأهم في نسبته إلى الخيانة والغلول قال : لا أقنع بذلك ، ولا أكتفي في حقه بأن أبين براءته عن الخيانة والغلول ، ولكني أقول : إن وجوده فيكم من أعظم نعمتي عليكم فإنه يزكيكم عن الطريق الباطلة ، ويعلمكم العلوم النافعة لكم في دنياكم وفي دينكم ، فأي عاقل يخطر بباله أن ينسب مثل هذا الإنسان إلى الخيانة .

الوجه الثالث : كأنه تعالى يقول : إنه منكم ومن أهل بلدكم ومن أقاربكم ، وأنتم أرباب الخمول والدناءة ، فإذا شرفه الله تعالى وخصه بمزايا الفضل والإحسان من جميع العالمين ، حصل لكم شرف عظيم [ ص: 64 ] بسبب كونه فيكم ، فطعنكم فيه واجتهادكم في نسبة القبائح إليه على خلاف العقل .

الوجه الرابع : أنه لما كان في الشرف والمنقبة بحيث يمن الله به على عباده وجب على كل عاقل أن يعينه بأقصى ما يقدر عليه ، فوجب عليكم أن تحاربوا أعداءه وأن تكونوا معه باليد واللسان والسيف والسنان ، والمقصود منه العود إلى ترغيب المسلمين في مجاهدة الكفار . وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : قال الواحدي رحمه الله : للمن في كلام العرب معان :

أحدها : الذي يسقط من السماء وهو قوله : ( وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) [البقرة : 57] .

وثانيها : أن تمن بما أعطيت وهو قوله : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) [البقرة : 264] .

وثالثها : القطع وهو قوله : ( لهم أجر غير ممنون ) [فصلت : 8] ( وإن لك لأجرا غير ممنون ) .

ورابعها : الإنعام والإحسان إلى من لا تطلب الجزاء منه ، ومنه قوله : ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك ) [ص : 39] وقوله : ( ولا تمنن تستكثر ) والمنان في صفة الله تعالى : المعطي ابتداء من غير أن يطلب منه عوضا وقوله : ( لقد من الله على المؤمنين ) أي أنعم عليهم وأحسن إليهم ببعثه هذا الرسول .

المسألة الثانية : أن بعثة الرسول إحسان إلى كل العالمين ، وذلك لأن وجه الإحسان في بعثته كونه داعيا لهم إلى ما يخلصهم من عقاب الله ويوصلهم إلى ثواب الله ، وهذا عام في حق العالمين ؛ لأنه مبعوث إلى كل العالمين ، كما قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) [سبأ : 28] إلا أنه لما لم ينتفع بهذا الإنعام إلا أهل الإسلام ، فلهذا التأويل خص تعالى هذه المنة بالمؤمنين ، ونظيره قوله تعالى : ( هدى للمتقين ) [البقرة : 2] مع أنه هدى للكل ، كما قال : ( هدى للناس ) [البقرة : 185] وقوله : ( إنما أنت منذر من يخشاها ) [النازعات : 45] .

التالي السابق


الخدمات العلمية