المسألة الثالثة : قال 
الواحدي    - رحمه الله - : القربان البر الذي يتقرب به إلى الله ، وأصله المصدر من قولك قرب قربانا ، كالكفران والرجحان والخسران ، ثم سمى به نفس المتقرب به ، ومنه 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012227قوله عليه الصلاة والسلام  nindex.php?page=showalam&ids=167لكعب بن عجرة    : " يا كعب  الصوم جنة والصلاة قربان " أي بها يتقرب إلى الله ويستشفع في الحاجة لديه . 
واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة فقال : ( 
قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى بين بهذه الدلائل أنهم يطلبون هذه المعجزة لا على سبيل الاسترشاد ، بل على سبيل التعنت ، وذلك لأن أسلاف هؤلاء 
اليهود  طلبوا هذا المعجز من الأنبياء المتقدمين مثل 
زكريا  وعيسى  ويحيى  عليهم السلام ، وهم أظهروا هذا المعجز ، ثم 
إن اليهود  سعوا في قتل زكريا  ويحيى  ، ويزعمون أنهم قتلوا عيسى  عليه السلام أيضا ، وذلك يدل على أن أولئك القوم إنما طلبوا هذا المعجز من أولئك الأنبياء على سبيل التعنت ، إذ لو لم يكن كذلك لما سعوا في قتلهم ، ثم إن المتأخرين راضون بأفعال أولئك المتقدمين ومصوبون لهم في كل ما فعلوه ، وهذا يقتضي كون هؤلاء في طلب هذا المعجز من 
محمد  عليه الصلاة والسلام متعنتين ، وإذا ثبت أن طلبهم لهذا المعجز وقع على سبيل التعنت لا على سبيل الاسترشاد ، لم يجب في حكمة الله إسعافهم بذلك ، لا سيما وقد تقدمت المعجزات الكثيرة 
لمحمد  صلى الله عليه وسلم ، وهذا الجواب شاف عن هذه الشبهة .  
[ ص: 100 ] المسألة الثانية : إنما قال : ( 
قد جاءكم رسل من قبلي   ) ولم يقل جاءتكم رسل لأن فعل المؤنث يذكر إذا تقدمه . 
المسألة الثالثة : المراد بقوله : ( 
وبالذي قلتم   ) هو ما طلبوه منه ، وهو القربان الذي تأكله النار . 
واعلم أنه تعالى لم يقل : قد جاءكم رسل من قبلي بالذي قلتم ، بل قال : ( 
قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم   ) والفائدة : أن القوم قالوا : إن الله تعالى وقف التصديق بالنبوة على ظهور القربان الذي تأكله النار ، فلو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم : إن الأنبياء المتقدمين أتوا بهذا القربان ، لم يلزم من هذا القدر وجوب الاعتراف بنبوتهم ، لاحتمال أن الإتيان بهذا القربان شرط للنبوة لا موجب لها ، والشرط هو الذي يلزم عند عدمه عدم المشروط ، لكن لا يلزم عند وجوده وجود المشروط ، فثبت أنه لو اكتفى بهذا القدر لما كان الإلزام واردا ، أما لما قال : ( 
قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم   ) كان الإلزام واردا ، لأنهم لما أتوا بالبينات فقد أتوا بالموجب للتصديق ، ولما أتوا بهذا القربان فقد أتوا بالشرط ، وعند الإتيان بهما كان الإقرار بالنبوة واجبا ، فثبت أنه لولا قوله : ( جاءكم بالبينات ) لم يكن الإلزام واردا على القوم ، والله أعلم .