صفحة جزء
المسألة السادسة : في أنه هل يجوز إطلاق لفظ النور على الله ؟ قال الله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) [ النور : 35 ] وأما الأخبار فروي أنه قيل لعبد الله بن عمر : نقل عنك أنك تقول : الشقي من شقي [ ص: 106 ] في بطن أمه ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله خلق الخلق في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور شيء فقد اهتدى ، ومن أخطأ فقد ضل " فلذلك أقول : جف القلم على علم الله تعالى .

واعلم أن القول بأن الله تعالى هو هذا النور أو من جنسه قول باطل ، ويدل عليه وجوه :

الأول : أن النور إما أن يكون جسما أو كيفية في جسم ، والجسم محدث فكيفياته أيضا محدثة ، وجل الإله عن أن يكون محدثا .

الثاني : أن النور تضاده الظلمة ، والإله منزه عن أن يكون له ضد .

الثالث : أن النور يزول ويحصل له أفول ، والله منزه عن الأفول والزوال ، وأما قوله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) فجوابه أن هذه الآية من المتشابهات ، والدليل عليه ما ذكرناه من الدلائل العقلية ، وأيضا فإنه تعالى قال عقيب هذه الآية ( مثل نوره ) [ النور : 35 ] فأضاف النور إلى نفسه إضافة الملك إلى مالكه فهذا يدل على أنه في ذاته ليس بنور ، بل هو خالق النور .

بقي أن يقال : فما المقتضي لحسن إطلاق لفظ النور عليه ؟ فنقول : فيه وجوه : الأول : " قرأ بعضهم : ( لله نور السماوات والأرض ) " وعلى هذه القراءة فالشبهة زائلة ، والثاني : أنه سبحانه منور الأنوار ومبدعها وخالقها ؛ فلهذا التأويل حسن إطلاق النور عليه . والثالث : أن بحكمته حصلت مصالح العالم ، وانتظمت مهمات الدنيا والآخرة ، ومن كان ناظما للمصالح وساعيا في الخيرات فقد يسمى بالنور ، يقال : فلان نور هذه البلد إذا كان موصوفا بالصفة المذكورة . والرابع : أنه هو الذي تفضل على عباده بالإيمان والهداية والمعرفة ، وهذه الصفات من جنس الأنوار ، ويدل عليه القرآن والأخبار : أما القرآن فقوله تعالى في آخر الآية : ( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ) [ النور : 35 ] وأما الأخبار فكثيرة .

الخبر الأول : ما روى أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " .

الخبر الثاني : عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " هل تدرون أي الناس أكيس ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا ، قالوا : يا رسول الله هل لذلك من علامة ؟ قال : نعم ، التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، فإذا دخل النور في القلب انفسح واتسع للاستعداد قبل نزول الموت " .

الخبر الثالث : عن ابن مسعود قال : تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [ الزمر : 22 ] فقلت : يا رسول الله كيف يشرح الله صدره ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح ، فقلت : ما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والتأهب للموت قبل نزول الموت .

الخبر الرابع : عن أنس - رضي الله عنه - قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في طريق إذ لقيه حارثة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت والله مؤمنا حقا ، فقال عليه الصلاة والسلام : انظر ما تقول ، فإن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وإلى أهل [ ص: 107 ] النار يتعاوون فيها ، فقال عليه الصلاة والسلام : عرفت فالزم ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سره أن ينظر إلى رجل نور الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى هذا " ثم قال : يا رسول الله ادع لي بالشهادة فدعا له ، فنودي بعد ذلك : يا خيل الله اركبي ، فكان أول فارس ركب ، فاستشهد في سبيل الله .

الخبر الخامس : عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : بينما أنا جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذ سمع صوتا من فوقه ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : إن هذا الباب من السماء قد فتح ، وما فتح قط ، فنزل منه ملك فقال : يا محمد أبشر بنورين لم يؤتهما أحد من قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة .

الخبر السادس : عن يعلى بن منبه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يمر المؤمن على الصراط يوم القيامة فتناديه النار : جز عني يا مؤمن وقد أطفأ نورك لهبي " .

الخبر السابع : عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم بك نصبح ، وبك نمسي ، وبك نحيا وبك نموت ، وإليك النشور ، اللهم اجعلني من أفضل عبادك عندك حظا ونصيبا ، في كل خير تقسمه اليوم : من نور تهدي به ، أو رحمة تنشرها ، أو رزق تبسطه ، أو ضر تكشفه ، أو بلاء تدفعه ، أو سوء ترفعه ، أو فتنة تصرفها " .

الخبر الثامن : عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن أهل الجنة فقال : " أهل الجنة شعث رؤوسهم ، وسخة ثيابهم ، لو قسم نور أحدهم على أهل الأرض لوسعهم " .

الخبر التاسع : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم ، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا ، وإذا قالوا لم ينصت لقولهم ، حاجة أحدهم تتلجلج في صدره ، لو قسم نوره على أهل الأرض لوسعهم .

الخبر العاشر : عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل يقول : نوري هداي و " لا إله إلا الله " كلمتي ، فمن قالها أدخلته حصني ومن أدخلته حصني فقد أمن .

الخبر الحادي عشر : عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو : " أعوذ بكلمات الله التامة ، وبنوره الذي أشرقت له الأرض ، وأضاءت به الظلمات ، من زوال نعمتك ، ومن تحول عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن درك الشقاء وشر قد سبق " .

الخبر الثاني عشر : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : " اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا " والحديث مشهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية