1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة آل عمران
  4. قوله تعالى ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد
صفحة جزء
[ ص: 120 ] ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد )

قوله تعالى حكاية عنهم : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) .

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قوله : ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) فيه حذف المضاف ثم فيه وجوه :

أحدها : وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك .

وثانيها : وآتنا ما وعدتنا على تصديق رسلك ، والدليل عليه أن هذه الآية مذكورة عقيب ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول وعقيب قوله : ( فآمنا ) وهو التصديق .

المسألة الثانية : ههنا سؤال : وهو أن الخلف في وعد الله محال ، فكيف طلبوا بالدعاء ما علموا أنه لا محالة واقع ؟

والجواب عنه من وجوه :

الأول : أنه ليس المقصود من الدعاء طلب الفعل ، بل المقصود منه إظهار الخضوع والذلة والعبودية ، وقد أمرنا بالدعاء في أشياء نعلم قطعا أنها توجد لا محالة ، كقوله : ( قال رب احكم ‎بالحق ) [ الأنبياء : 112 ] وقوله : ( فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) [ غافر : 7 ] .

والوجه الثاني في الجواب : أن وعد الله لا يتناول آحاد الأمة بأعيانهم ، بل إنما يتناولهم بحسب أوصافهم ، فإنه تعالى وعد المتقين بالثواب ، ووعد الفساق بالعقاب ، فقوله : ( وآتنا ما وعدتنا ) معناه : وفقنا للأعمال التي بها نصير أهلا لوعدك ، واعصمنا من الأعمال التي نصير بها أهلا للعقاب والخزي ، وعلى هذا التقدير يكون المقصود من هذه الآية طلب التوفيق للطاعة والعصمة عن المعصية .

الوجه الثالث : أن الله تعالى وعد المؤمنين بأن ينصرهم في الدنيا ويقهر عدوهم ، فهم طلبوا تعجيل ذلك ، وعلى هذا التقدير يزول الإشكال .

المسألة الثالثة : الآية دلت على أنهم إنما طلبوا منافع الآخرة بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق لأنهم قالوا : ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ، وفي آخر الكلام قالوا : ( إنك لا تخلف الميعاد ) وهذا يدل على أن المقتضي لحصول منافع الآخرة هو الوعد لا الاستحقاق .

المسألة الرابعة : ههنا سؤال آخر : وهو أنه متى حصل الثواب كان اندفاع العقاب لازما لا محالة ، فقوله : ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) طلب للثواب ، فبعد طلب الثواب كيف طلب ترك العقاب وهو قوله : ( ولا تخزنا يوم القيامة ) بل لو طلب ترك العقاب أولا ثم طلب إيصال الثواب كان الكلام مستقيما ؟ .

والجواب من وجهين :

الأول : أن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم والسرور ، فقوله : ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) المراد منه المنافع ، وقوله : ( ولا تخزنا ) المراد منه التعظيم .

الثاني : أنا قد بينا أن المقصود من هذه الآية طلب التوفيق على الطاعة والعصمة عن المعصية ، وعلى هذا التقدير يحسن النظم كأنه قيل : وفقنا للطاعات ، وإذا وفقتنا لها فاعصمنا عما يبطلها ويزيلها ويوقعنا في الخزي والهلاك ، والحاصل كأنه قيل : وفقنا لطاعتك فإنا لا نقدر على شيء من الطاعات إلا بتوفيقك ، وإذا [ ص: 121 ] وفقت لفعلها فوفقنا لاستبقائها فإنا لا نقدر على استبقائها واستدامتها إلا بتوفيقك ، وهو إشارة إلى أن العبد لا يمكنه عمل من الأعمال ، ولا فعل من الأفعال ، ولا لمحة ولا حركة إلا بإعانة الله وتوفيقه .

المسألة الخامسة : قوله : ( ولا تخزنا يوم القيامة ) شبيه بقوله : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) [ الزمر : 47 ] فإنه ربما ظن الإنسان أنه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح ، ثم إنه يوم القيامة يظهر له أن اعتقاده كان ضلالا وعمله كان ذنبا ، فهناك تحصل الخجالة العظيمة والحسرة الكاملة والأسف الشديد ، ثم قال حكماء الإسلام : وذلك هو العذاب الروحاني . قالوا : وهذا العذاب أشد من العذاب الجسماني ، ومما يدل على أنه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين أنهم طلبوا في هذا الدعاء أشياء ، فأول مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسماني وهو قوله : ( فقنا عذاب النار ) وآخرها الاحتراز عن العذاب الروحاني وهو قوله : ( ولا تخزنا يوم القيامة ) وذلك يدل على أن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني .

التالي السابق


الخدمات العلمية