صفحة جزء
[ ص: 123 ] ثم قال تعالى : ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله ) والمراد من قوله : ( فالذين هاجروا ) الذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمراد من ( وأخرجوا من ديارهم ) الذين ألجأهم الكفار إلى الخروج ، ولا شك أن رتبة الأولين أفضل لأنهم اختاروا خدمة الرسول عليه السلام وملازمته على الاختيار ، فكانوا أفضل . وقوله : ( وأوذوا في سبيلي ) أي من أجله وسببه ( وقاتلوا وقتلوا ) لأن المقاتلة تكون قبل القتال ، قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو " وقاتلوا " بالألف أولا " وقتلوا " مخففة ، والمعنى أنهم قاتلوا معه حتى قتلوا ، وقرأ ابن كثير وابن عامر " وقاتلوا " أولا " وقتلوا " مشددة ، قيل : التشديد للمبالغة وتكرر القتل فيهم كقوله : ( مفتحة لهم الأبواب ) [ ص : 50 ] وقيل : قطعوا ; عن الحسن ، وقرأ حمزة والكسائي " وقتلوا " بغير ألف أولا " وقاتلوا " بالألف بعده ، وفيه وجوه :

الأول : أن الواو لا توجب الترتيب كما في قوله : ( واسجدي واركعي ) .

والثاني : على قولهم : قتلنا ورب الكعبة ، إذا ظهرت أمارات القتل ، أو إذا قتل قومه وعشائره .

والثالث : بإضمار " قد " أي قتلوا وقد قاتلوا .

ثم إن الله تعالى وعد من فعل هذا بأمور ثلاثة :

أولها : محو السيئات وغفران الذنوب وهو قوله : ( لأكفرن عنهم سيئاتهم ) وذلك هو الذي طلبوه ( فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ) .

وثانيها إعطاء الثواب العظيم وهو قوله : ( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) وهو الذي طلبوه بقولهم : وآتنا ما وعدتنا على رسلك .

وثالثها : أن يكون ذلك الثواب ثوابا عظيما مقرونا بالتعظيم والإجلال وهو قوله ( من عند الله ) وهو الذي قالوه ( ولا تخزنا يوم القيامة ) لأنه سبحانه هو العظيم الذي لا نهاية لعظمته ، وإذا قال السلطان العظيم لعبده : إني أخلع عليك خلعة من عندي دل ذلك على كون تلك الخلعة في نهاية الشرف . وقوله ( ثوابا ) مصدر مؤكد ، والتقدير : لأثيبنهم ثوابا من عند الله ، أي لأثيبنهم إثابة أو تثويبا من عند الله ، لأن قوله لأكفرن عنهم ولأدخلنهم في معنى لأثيبنهم . ثم قال : ( والله عنده حسن الثواب ) وهو تأكيد ليكون ذلك الثواب في غاية الشرف لأنه تعالى لما كان قادرا على كل المقدورات ، عالما بكل المعلومات ، غنيا عن الحاجات ، كان لا محالة في غاية الكرم والجود والإحسان ، فكان عنده حسن الثواب . روي عن جعفر الصادق أنه قال : من حزبه أمر فقال خمس مرات : ربنا ، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد ، وقرأ هذه الآية ، قال : لأن الله حكى عنهم أنهم قالوا خمس مرات : ربنا ، ثم أخبر أنه استجاب لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية