( 
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف   ) . 
قوله تعالى : ( 
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف   ) .  
[ ص: 165 ] في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أن أهل الجاهلية كانوا يتوارثون بشيئين : أحدهما : النسب ، والآخر العهد ، أما النسب فهم ما كانوا يورثون الصغار ولا الإناث . وإنما كانوا يورثون من الأقارب الرجال الذين يقاتلون على الخيل ويأخذون الغنيمة ، وأما العهد فمن وجهين : 
الأول : الحلف ، كان الرجل في الجاهلية يقول لغيره : دمي دمك ، وهدمي هدمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك ، فإذا تعاهدوا على هذا الوجه فأيهما مات قبل صاحبه كان للحي ما اشترط من مال الميت . 
والثاني : التبني ، فإن الرجل منهم كان يتبنى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النسب ويرثه ، وهذا التبني نوع من أنواع المعاهدة ، ولما بعث الله 
محمدا  صلى الله عليه وسلم تركهم في أول الأمر على ما كانوا عليه في الجاهلية ، ومن العلماء من قال : بل قررهم الله على ذلك فقال : ( 
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون   ) [ النساء : 33 ] والمراد التوارث بالنسب . ثم قال : ( 
والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم   ) [ النساء : 33 ] والمراد به التوارث بالعهد ، والأولون قالوا المراد بقوله : ( 
والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم   ) ليس المراد منه النصيب من المال ، بل المراد فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة وحسن العشرة ، فهذا شرح 
أسباب التوارث في الجاهلية   . 
وأما 
أسباب التوارث في الإسلام ، فقد ذكرنا أن في أول الأمر قرر الحلف والتبني ، وزاد فيه أمرين آخرين : أحدهما : الهجرة ، فكان المهاجر يرث من المهاجر . وإن كان أجنبيا عنه ، إذا كان كل واحد منهما مختصا بالآخر بمزيد المخالطة والمخالصة ، ولا يرثه غير المهاجر ، وإن كان من أقاربه . والثاني : المؤاخاة ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل اثنين منهم ، وكان ذلك سببا للتوارث ، ثم إنه تعالى نسخ كل هذه الأسباب بقوله : ( 
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله   ) [ الأحزاب : 6 ] والذي تقرر عليه دين الإسلام أن أسباب التوريث ثلاثة : النسب ، والنكاح ، والولاء . 
المسألة الثانية : روى 
عطاء  قال : 
استشهد  nindex.php?page=showalam&ids=3402سعد بن الربيع  وترك ابنتين وامرأة وأخا ، فأخذ الأخ المال كله ، فأتت المرأة وقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد ، وإن سعدا  قتل وإن عمهما أخذ مالهما ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ارجعي فلعل الله سيقضي فيه " ثم إنها عادت بعد مدة وبكت فنزلت هذه الآية ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما وقال : " أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ، فهذا أول ميراث قسم في الإسلام   . 
المسألة الثالثة : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان : 
الأول : أنه تعالى لما بين الحكم في مال الأيتام ، وما على الأولياء فيه ، بين كيف يملك هذا اليتيم المال بالإرث ، ولم يكن ذلك إلا ببيان جملة أحكام الميراث 
الثاني : أنه تعالى أثبت حكم الميراث بالإجمال في قوله : ( 
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون   ) [ النساء : 7 ] فذكر عقيب ذلك المجمل ، هذا المفصل فقال : ( 
يوصيكم الله في أولادكم   ) .